jeudi 20 décembre 2012

بياض



حياة  بيضاء لا شية فيها، لا أثر يستوقف عينيك الذاهلتين حين تعبر الدرب بخطاك الرتيبة .... أنت الآن قرأت هذه الجملة وتترقب ما بعدها وربما سخطت وتبرمت بي وبما أكتب وكلت لي ما شئت من اللعنات وأغلقت الصفحة ورحت تبحث عن متعتك في مكان آخر.. معك حق، فهي تبدو لأعمى الحس جوفاء لا تحمل معني ولا تفي بغرض،  ولكن لو أمعن النظر قليلا لرأيتها جملة مفيدة سليمة التكوين سليمة المعنى، ولكنك كما عهدتك يستهويك الجدال قبل التأمل وأخد الأمور بالعقل والتأمل، وها أنت  ذا تتساءل في تهكم وسخرية  عما قد تحمله جملة معوجة مفلسفة مثل هذه الجملة من معنى؟ ولكني لن أذهب مذهبك  ولن أزعم لك أنها مفعمة بمعاني يضيق بها عقلك وقلبك معا وليس من العسير علي أن أجد بعض الدلائل والحجج لأظهر صحة زعمي ولكني لو فعلت لكنت أسير سيرة السفاسطة وأصحاب الكلام وأنا لا أريد لنفسي ذلك لسببين، الأول أني لا أحبها والثاني أني متعب متعب  متعب ... فحسبي ان أشرحها وأربطها بحديث له معنى ومنطق وهدف، لربما تفهم وتكف عن هذه السخرية، صدقني لها معنى إن يبدى لك يسوؤك ويكره لك السخرية والتهكم، وربما كره إليك نفسك وكره الحياة إلى نفسك وحبب إليها الموت، وهذا ما لا نحبه لك ولا نرضاه، فأنت على كل حال إنسان له ما للإنسان من عيوب ونقائص، وأخصك الله بنقيصة علاوة على نقائص الإنسان هي نقيصة الجهل، فالإنسان بطبعه عالم وأقصد بعالم متسائل قلق في بحث مستمر عما خفي عنه من أسرار، وأنت جامد توقفت وتحجرت في تهكمك وسخريتك... قد أكون  أغلظت لك في القول وربما اغضبتك وأثرت حفيظتك وأنت الآن تجد علي في صدرك نوعا من العنف التحدي، وربما تحس مني مرارة الظلم لأنك لم تتهكم أصلا ولم تخطر على ملامحك ابتسامة السخرية الباهتة، وإنما أنا وضعت فرضياتي وتصورتك في وضعية لم تعجبني فذهبت أعمل فيك لساني لا لشيء غير أن خيالي سول لي شيئا لم يرقني ولم أرتاح له، وكلت لك من الكلام المر الغليظ دون تجشيم نفسي تعب البحث عن حقيقة الأمر، ولكن لا علي في هذا كله فأنا متعب كما قلت لك وعقلي متعب يخيل إلي بعض الأمور ، ولا عليك أنت أيضا إن تهكمت أو سخرت أو لم تفعل، فما نحن إلا ناس من عامة الناس نحمل عيوب الناس كما سلف وقلت!! فاهدأ نتحدث قليلا علنا نرتاح من أنفسنا ونتخفف من لواعجها، ولا تتوهم أني كنت أريد النيل من راحتك أو إزعاجك، لا ليس كذلك، أنا فقط كنت أتعمد إثارتك وتنفير قواك لتسمع إلي جيدا، فأنا أحتاج من يسمعني بكل قواه، فحديثي هذا شيء من العجز  وضرب من ضروب الضعف، إنها يا صاحبي تلك الشيخوخة المبكرة التي تصيب النفس فتقعدها عن الأحلام وتصغر في عينيها الآمال الأماني والمطامح والمطامع ، ذلك التلف الذي يلم بها فيفسد عليها الحياة ويجعلها لا شيء ..العدم رهيب، أي شك وأي عجز عن إرضاء هذا الشك وكيف السبيل إلى إسكات هذا القلق، أي صمت يكتنف ضجيج الحياة وأي موت يلفها، انبسطت الدنيا مستوى أفقي ممدود لا اعوجاج فيه ولا قمة قد تغوي النفس التواقة إلى المغامرة بالتسلق، لون واحد يسيطر... إنه البياض وشعور واحد ينشر جناحه الخرافي إنه اللاشعور... لعلك تتهمني بعد هذا التصريح الأبيض بالتشاؤم !! إنك تسيء الظن بي كعادتك وكيف لي أن أعذل برجل اعتاد أن يترك المعنى المباشر ويبحث عن ما في دهنه في مقالات الناس عن سوء ظنه، ولكن لا بأس سأقول لك إني لا أستطيع التشاؤم لأن التشاؤم يفترض وجود شيء نطمح إليه ونسيء الظن بقدرتنا على بلوغه وأنا لا أنتظر شيئا ولا أتوقع شيئا جديد، بل كل يمكن أن يحصل قد حصل لكثير من بني البشر ثم مر كما أن لم يحصل شيء، كلها أشياء لا وجود لها، وحقائق مزيفة، وخيالات خادعة تصيبك فتقنعك أنك ذا بال في هذه الدنيا والحقيقة أنك دلوا يملأ حينا ويفرع حينا ثم يبلى فيرمى في سلة المهملات...كل تجارب الحياة عيشت، أنا أريد شيئا جديدا لا أجده،  فلأشخ الأن وأنعم بالبياض.

lundi 3 décembre 2012

حديث الخفافيش

 
قد تنتظر بعد هذا العنوان الظريف نوعما من التفكيه أو التنكيت، أو قد تنتظرا حديثا رومنسيا رقيقا ،لا ... لست في مزاج أستطيع معه تذوق تلك الأشياء الجميلة الرائعة وصياغتها، فأود أن أعتدر إذ كنت قد خيبت لك أملا، وأني لأتفهم حق التفهم الموقف، فهذا العنوان يليق أكثر بأحاديث الفكاهة والتنكيت لا بأحاديث الجد المر الذي لا يجب أن نحيد عنه حين نخوض في شؤن حاضر المعهد ومستقبله.
ولكن طالبا من الطلاب وصديق من خاصة الأصدقاء الذين يحملون بالإضافة الى هم حياتهم الخاصة هموم المعهد أراد أن يتكلم في أمر من أمور الساحة الطلابية فضرب الخفافيش مثالا له، يذهب في ذلك مذهب السخرية المرة وإن كانت أمور المعهد لا تحتمل فكاهة ولا سخرية .
صديقنا يزعم ان هاؤلاء الذين نسميهم أو الذين يسمون أنفسهم طلبة ما هو إلا مجموعة من الخفافيش العمياء وأن هذا المكان الذي نتقاسم سكناه ليس كما نعتقد داخلية وإنما هو مجوعة من الجحور والأوكار استوطنتها تلك الخفافيش... ، لا غرابة أن تنكر  هذا الكلام أشد النكر وتستشيط غضبا وتخرج عن طورك الهادئ،  ولكن مهما فعلت فصديقنا يذهب في حديثه في غير تكلف ولا تعصب، بعيدا كل البعد أن يكون قد حسب له أي حساب أو أقام له أي وزن، وقد ذهبت مذهبك واستشاط بي الغضب وأخدني العصب وخرجت عن طوري الهادئ إذ لم يكن في مقدوري أن أقف إيزاء كلام كهذا موقف المستمع اللامعن بالأمر فاندفعت أعاتب حينا وأزجر حينا وأحاول أن أثنيه عن هذا الرأي الشائن الذي يمس رمز الطالب في المعهد، وهو يجلس قبالتي هدئا متزنا لم تزايله تلك الإبتسامة الماكرة و تلك النظرة الهدأة القوية ، ولا نادما لما صدر عنه من قول ولا مباليا لما صدر عني من فعل...
 وأنا حار شديد الإنفعال وأحب الأحاديث الساخنة القوية كما أكره البرود من محدثي خاصة إذا كان الموقف جدي كهذا الذي نضطرب فيه ،فازدادت حدة الكلام مني شئا فشيئا،وازداد الغليان في دماغي حتى كاد أن يخرج الموقف من يدي فتتطور الأمور من جانبي الى رفع صوتي ومن يدري ربما رفع القبضة.. وما أبعده عن التعصب أو ما أبعد التعصب عنه  ... ولا أخفيكم أني أشفق أشد الإشفاق من خسران صديق في سبيل فكرة أو موقف مهما كانت خطورة هذه الفكرة أو هذا الموقف، فاخترت مجبرا أن أعود الى الهدوء والروية لعلي أفلح بالملاينة فيما فشلت فيه بالتعصب أو على الأقل أظفر منه بحجة تبدد غصتي أو تجعلني أرى هؤلاء الطلبة خفافيشا كما يراهم.
وقد أصبح الموقف حساس للغاية ويجب أن أنفذ بطريقة من الطرق الى عقل هذا الرجل لأرى كيف بلور هذه القناعة.. ربما تنفع المراوغة، فلماذا لا أجرب.
اعتدلت في جلستي وتنحنحت كأني مباشر الكلام في الحلقية وقلت بالوقار الذي يليق بالموضوع:فيما أرى وربما ترى معي هذه الحقبة محورية  في تاريخ المعهد الحديث، ولا شك أن هذه المرحلة سيكون لها ما بعدها بل أراها فاتحة لتغيير جديد وجدري على جميع المستويات،وعلى وجه الخصوص المستوى الفكري،فالوجوه الجديدة التي تفرض نفسها على الساحة لا بد له كلمة تقولها في في المستقبل القريب ....
ـ كلام خفافيش.
قاظعني في هدوء ونطق جملته في هدوء وواصل جلسته الهادئة ونظرته الماكرة، كأن لا شيء حدث ... لا أحب أن أصور لك كم أبغضته وكم استنزلت عليه من اللعنات، أكلف قدرتك على التخيل وإبداع الصور،ولكن لم يكن مناص من التظاهر بالهدوء فتساءلت في شيء من الاستغراب المتصنع :
ـ كيف أسمع منك هذا الكلام وأنت لم تفارق الحلقية يوما ... وإن كنت لا تتكلم فإنك تحضر جميع الأنشطة ؟؟
ـ أحب تخاطف الخفافيش تحت ضوء المصابيح !!
لا يمكن أن أتحمل أكثر فأنا كما قلت لك لا أتحمل البرد حتى من جو من هذا العقل المشلول، وقمت لأنصرف إيثارا للسلامة ولكنه أستوقفني ورجاني أن أجلس لبضع دقائق أخر، فقبلت بعد تردد، ثم قام وطلب لنا الشاي و جلسنا من جديد وجها لوجه ...
قلت في وجوم: هات..!!
في هدوؤه واتزانه المعهودين قال: عز أن تفقد عقلك في البحث عن مقارنة بين طالب المعهد والخفاش.
ـ قلت: وعليه..؟؟
ـ قال : هل حدث وأن راقبت تخاطف الخفافيش تحت أنوار مصابيح الطرقات؟؟
قلت: نعم!!
قال: نعم ....هكذا هم بعض طلبة المعهد، يتخاطفون في كل الاتجاهات من غير منطق ولا فهم ....كالخفاش في طيرانه الرشيق تماما، إذا صادف جدارا أو حاجزا يعكس طريقه دون تفكير في ركوب المغامرة واختراق الجدار... أما الإنسان يا صديقي فيرفض النكوص والرجوع بل يمتحن عقله في التغلب عن صلابة الحاجز وغالبا ما يفوز العقل.
وفقمت فمشيت
....................

mercredi 28 novembre 2012

اسمعني ... ارتاح قليلا

"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" صدق الله العظيم ... فلما أكلف نفسي ما ليس في وسعها ؟؟ هذا حيف، وجور مني على حق أحق الناس بإنصافي.. إنه أنا، نعم ... لقد خالفت مشيئة الله في العدل عن جهالة وفساد رأي حين أجحفت نفسي إجحافا لا قبل لها به، وكنت من الآثمين، وأي إثم أعظم عند الله من ظلم  المرء لنفسه وجوره عليها، وأي ظلم أظلم من ظلم المرء لنفسه التي أتمنه الله عليها وجعلها وديعة بيني يديه، وأي  نفس في الدنيا أحق بعدل الرجل من نفسه، ثم إن الحكمة تقول من لم ينصف نفسه وقسى عليها لم ينصف الناس وكان أقسى عليهم،  ولا أعول إلا على غفران الله وسعة  عفوه، فلتغفر لي اللهم إنك سميع الدعاء واسع الرحمة، ولكن لن تتم توبتي وتكتمل إلا إذا صدقها العمل، فالندم شرط لازم ولكنه ليس كافي لتكون الثوبة نصوح، فالرجوع عن الإثم أمر ضروري .... فلأرجع إذا عن الإثم مصداقا لحسن نيتي ولأضع عليها حملها الذي حملتها إياه بغير وجه حق، ولأصرخ بهذه الصراحة الثقيلة التي قوضت ظهري... فاسمعني والتمس لي المعاذير واعلم أنني لا أقول هذه الصراحة رغبة في إيذائك، فإني أبعد ما أكون عن هذا القصد السيء المشين،  وأنت تعلم أنه لا فائدة ترجى لي بإيذائك، ولكن أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك التماسا لبعض الراحة، ورغبة في التخلص من هذا الرأي الملح الذي يكاد يفجر أضلاع صدري .... فاسمعني واصبر صبرا جميلا واحتسب!!  

 هذا رأي فيك سأقوله بكل صراحة، واعلم أني تكبدت في كتمانه من العناء ما لا سبيل لتصوره، ولا أعلم لما كنت أكتمه حين كان يجب أن أنضح به تخفيفا عن نفسي وتنويرا لنفسك وعقلك، ربما هو الحرص على علاقة ظاهريا طيبة، وانضباطا لما توارثناه من أعراف وسخافات ترسبت على أنفسنا كما يترسب الصدأ على المرآة ويسمونها حسن اللياقة، وأي لياقة في كثمان الحقيقة والظهور بابتسامة منافقة نزدريها ونكرهها في دواخل أنفسنا، وأي أدب في تدليس الحقائق والكذب على النفس، وأي قهر كنت أمارس على تلك الابتسامة  المسكينة كأني أدفع بها إلى خطوط النار، لقد كنت ديكتاتورا، ربما كنات ديكتاتوريتي أعمق من ديكتاتورية اسطالين وأنا أقمع بركان الضحك الساخر المزدرى الذي كان يدفع أضلاع صدري طلبا للحرية كلما خصني القدر بحضور أحد جدالاتك المتكررة الثقيلة على النفس، وأنت مشتبك في هرائك تتخبط مصدقا ما تقول بحركة يديك وحاجبيك بكل ثقة، كأنك تمسك لجام الحكمة بين يديك تقودها طائعة.... أيها المغرور المخدوع في نفسه، ألا تساءل نفسك، ألا تشك ولو قليلا، قد لا تشك في نفسك وفي آرائك وهذا أمر مفهوم لأن نفسك خدعتك وأعمت بصيرتك عن كل نقيصة فيها، ولكن لما لا تشك ولو قليلا في قدرة الناس على الفهم وقدرتهم على إدراك الصواب، فقلي لماذا يبدو الناس في عينيك أغبياء مخبولون مغفلون لا يفقهون شيئا من أمور الدين الدنيا، ربما يحبك الله فآثرك بالحكمة من دون خلقه جميعا وألقى في روعك الحقيقة كاملة وقسم على باقي خلقه الغباء...

صدقني ... كلما قفزت صورتك إلى دهني تجادل على عادتك، أرثيت لهؤلاء العلماء والفلاسفة، هؤلاء العظماء الذين عرفوا كثيرا وظلوا إلى آخر حياتهم ظمأى إلى المعرفة يتساءلون عن حقيقة الأشياء ويفتشون عن ماهيتها، يشكون فيما يعرفون وينشدون اليقين بلا جدوى، كلما تذكرتك قفزت إلى دهني صورة سقراط يبحث عن الحقيقة في شوارع أتينا فلا يظفر بها، وأتذكر ديكارت فأقول الله يرحمك أيها الشاك لولا أنك راقد بسلام في قبرك لسافرت إليك مهما كلفني الأمر لعلك تخلصني من فيلسوف اليقين الذي رمانا به القدر في آخر عمر الحكمة والفلسفة ....   

ماذا أقول لك أيها المغرور المتحجر، لا أملك أمامك إلا أن أتحير من ثقتك بحكمتك، أريد أن أقول لك إني أكره أمثالك من المغرورين، فالمخدعين أمثالك  دائما ضد أي تقدم وأي تجديد تأتي به البشرية، لأنهم يعتقدون أن ما يعرفونه هم هو اليقين وما يأتي به الآخرون هو الباطل، ويرفضون أن يخضعوا هذا التجديد للتجريب، يرفضون كل شيء قبل أن يعرفوه ويناقشوه اعتقادا منهم بأنه ليس لدى الآخرين ما يضيفونه إليهم وإلى محيط معارفهم المتلاطم وأنهم لديهم هم فقط وحدهم اليقين،  فأنت تسير على طريق أسلافك من المتصلبين التحجرين ... أعداء كل فكر لا يأتي من عندهم .... أعداء الفكر الحر في كل عصر

أقول هذا لأبرأ نفسي أمام نفسي وأرتاح، فلست أطمع في أن تستفيق فجدار غرورك أمتن من أن تخترقه كلمات .... فإنك ستسمع لي ثم تستشيط غضبا وستقنعك نفسك من دون كبير عناء بأنني واحد من حسادك لما أوتيت من الحكمة ورجاحة عقل ثم ترفع منكبيك استخفافا وتذهب..

vendredi 23 novembre 2012

تفاؤل

شيء جميل أن ترى التنافس حول مقاد مكتب الطلبة، وشيء جميل أن ترى أكثر من لائحة تنزل على الساحة ببرنامج يسطر أهدافها ويوجه طريقها في العمل، وشيء جميل أن تدخل المقصف قاصدا إحدى الموائد لتصيب شاي أو قهوة المساء ثم تجلس إلى مائدة فإذا بك تجد نفسك في نقاش حول الولاية المقبلة وبرامج اللوائح، فتقحم نفسك في حر النقاش وتخوض في تحليل الأمور وتركيبها وتقضي ما شاء الله لك من الوقت ثم تغادر راضيا مرضيا آملا متفائلا، هذه متعة جديدة لم نعشها من قبل، وهذا رقي يجب نفخر به... ولكن يجب أن نفخر بحدر، ويجب أن نتفاءل بحدر، فليس من الحكمة أن ننساق وراء تفاءل أبله ليس من الحقيقة في شيء، ثم إن العقل الراجح يضع أمام عينيه كل الاحتمالات الممكنة ويحسب لها حسابها مهما قل احتمال وقوعها ويعد لها عدتها...
هذا هو حديث الساعة، وهذا هو الإيقاع الذي يتمايل معه المعهد، وربما هذا هو السؤال الذي يراود الكثير خصوصا مع الموارد الجديدة التي أنعشت صدوق المكتب: من هي اللائحة التي ستوكل إليها أصوات الطلبة تصريف  أعمالهم للولاية المقبلة، لعله سؤال على قدر كبير من الأهمية، ولكنه ليس الأهم، فلترتدي هذه اللائحة التي ستتولى أمر المعهد أي لون شاءت، ولتقم بأمر المعهد كما شاءت لها حكمتها السياسية، ليس هذا أمرا ذا بال، ولكن أمرا آخر يلح،  يجب أن تضعه أنت كطالب  نصب عينيك وأنت تمارس حياتك الطلابية، ويجب تضعه  اللائحة الفائزة نصب أعينها وهي تمارس صلاحياتها في تسير شؤون الطلاب، إنها  مسألة المحاسبة، ذلك أن السياسة في معهدنا أصبحت على قدر من النضج تحتم معه التفكير في ربط مفهوم المسؤولية بمفهوم المحاسبة، ولكن علينا أولا أن أ نفهم ماذا نعني بالمحاسبة، ونضع لها قواعد معقلنة واضحة، فتكون المسؤوليات واضحة والتبعات واضحة، وهنا يجب أن نتطرق لمقالة تتردد على ألسن كثير من الطلبة،  ألا وهي الدعوة إلى اختيار اللائحة التي تحسن بها النية، ونرى فيها إخلاصا للمعهد وطلابه، هذا خطاب قاصر لا يرى أبعد مما تتيح له قدرة عينيه، ولا يستشعر إلا ما يحيط به عن قرب، علينا أن نتخلص منه ونلتفت إلى الوراء ونتعظ بدروس الماضي ثم نلتفت إلى الأمام ونستشرف المستقبل ونتفادى ما أمكننا تفاديه من خطوبه، وعليه فحسن النية والدين لا يكفيان معا  لاختيار اللائحة، فقد تتوفر حسن النية ولا تتوفر المهارة السياسية، وقد يتوفر الدين ويتوفر معه جهل بقواعد اللعبة، فما الذي يكفي إذا ؟ البرنامج وحده يكفي، عندما تفكر في التصويت فلا تطرح الكثير من الأسئلة، فقط توجه لصبورة الإعلانات ومر على البرامج وتدارسها بينك وبين نفسك أو بينك وبين رفاقك ثم صوت للبرنامج الذي بدى لعقلك أكثر معقولية وغض البصر عن أفراد اللائحة و أشكالهم وأديانهم أو درجات تدينهم، وما يحملونه من قناعات، لأن ذلك لا يهمك في شيء يذكر، ولا يمسك من قريب ولا من بعيد، أنت تعرف برنامج يجب أن ينفد فإن لم ينفذ كما يجب يأتي دور المحاسبة الصارمة...
لم يحين دور المحاسبة الصارمة بعد، ولكن  حان الوقت أن نتخلص القشور ونباشر العمل في تأسيس دمقراطية حقيقية  تربط المسؤولية بالمحاسبة و قبل ذلك فلنؤصل لهذه المحاسبة وندع لها القواعد المتينة. 

mardi 20 novembre 2012

أشجان

  اليوم ... وحدي وكأس شاي قاسي ... أتألم
كنت قد نسيت هذا الشعور ... وانمحت من القلب كل الأثار  وتحطمت الصور
كنت أتردد في نفسي ... أنا كل يوم
نفس النظرة الجامدة ... نفس الشرود ... ومقاطع الحلم
هنا ....تشكلت من جديد.. وتبلورت الحياة
وبنت قلاعها ومدنها في مستقبل لا أعيشه إلا أنا
ولأني أصدق حلمي الكاذب ... خطوت أبتسم
ولأني أنس بسرعة ... خطوت بفرحة كخيوط الفجر
خلقني حلمي أميرا ... وضع على رأسي التاج وفي يدي الصولجان ومفاتح المدية
وقال: إياك أن تتذكر .......
لم أتذكر ... وكان حلمي حنان مخبوء في فؤاد دافئ
كان حلمي ماء عذب يشق الصخور
كان حلمي وردة بيضاء ... تنبت في كفي 
كان حلمي حمامة بيضاء ... تحط على كتفي
كان حلمي موسيقى .... هادئة
بسمة غامضة.... حلمي نجمة في عينيك
كان حلمي .... حلم
لم يكن حقيقة ... لم تكوني معي
وعدت لا شيء معي ..... سوى زفرات
الآن ... أحاول أن أستعيد نظرتي الجامدة
 وحدي... وكأس شاي قاسي .... أتألم

mardi 13 novembre 2012

نزلة أحلام


طرقت باب الغرفة ثم دفعه ودخلت، كان مستلقيا على ظهره، رجلاه ممدودتان ويداه مشبوكتان خلف رقبته.. ووجهه مشرق بابتسامة بلهاء تكاد تكون السعادة في صفائها... ابتسمت دون أن أعرف متى ابتسمت ولما، وقلت:

ـ أراك سعيدا، مع أن كل الظروف تدعوا إلى غير ذلك، ربما هناك شيء تخبرني به ...!!
ـ نعم كنت أخطط لحياتي ... !!
 ينام اثنتي عشر ساعة، يفتح الفايسبوك لست  ساعات ويقسم  ما تبقى بين المطعم والمقصف والتسكع... ربما قرر أن يعكس منطق حياته، يدرس اثنتي عشر ساعة، يقرأ أربع ساعات، يتسلي ساعتان وينام ست ساعات، إذا كان الأمر كذلك فإن المسألة تستحق الاهتمام والتشجيع فقررت أن أبدي اهتمامي بالمسألة وابدل له ما استطعت من التشجيع، فقلت في بجدية:
ـ قل لنا... احكي كلنا  آذان مصغية.
اعتدل في جلسته، ونظر إلي بجدية وراح يحكي:
لقد فكرت جيدا هذا الصباح وقررت ان أتزوج، ولكن اعترضتني مشكلة أين سأجدها ..يعني زوجتي !! كل مشكلتي الآن أن أراها، فإن رأيتها في مكان ما فإنني سأعرفها بالتأكيد، إنها جميلة كالوردة معتدلة كالغصن مهدبة كالحمامة خفيفة كالنسمة، من أسرة محترمة من الطبقة المتوسطة مثلي تماما، مثقفة وعل درجة عالية من الدراية بعلم الحياة،
سأراها لأول مرة في باب الكلية تحمل حقيبة يد صغيرة وتتأبط كراسة من الحجم الكبير  ذاهبة في خطاها الوئيدة إلى الدرس،  من

vendredi 2 novembre 2012

وسرنا ........!!!

وسرنا جنبا إلى جنب، أيتهاا للأخطار كوني أو لا تكوني نحن ذاهبان، هبي أيتها الرياح واعصفي يا عواصف...لقد تخففنا من خوفنا ووضعنا عنا أوزار كل الأزمنة الفانية وكل الأزمنة الآتية، وسلمنا لك زمام أمرنا فاذهبي بنا حيث شئت ولا تترددي، لا مكان يحدنا ولا زمان يحتوي أحلامنا، نحن الاثنان أشسع من المكان ومن كل أبعاد الزمان، نحن حضارة العشاق ... نحن كل القصائد.. نحن آهات حائرة.... هكذا قلنا وتاه الزورق في بحر  من النجوم ...  في أعالي السماء... هناك .. هناك !! أنظر إلى ذلك الفضاء الواسع وانظر إلى تلك النجمة في قلب الفضاء.... تلك التي تحدق بنا في شيء يشبه الحزن او الحكمة .... تلك النجمة تعرف  قصتي... همست لها: أنا حضارة العشق انا مجد العشاق..... هذه كل القصائد وكل الخواطر وكل الآهات الحائرة !!  وبكت النجمة دون أن نعرف لها لعبراتها سبب .... تركناها تذرف وحملتنا نسمة، وأنشدتنا السعادة أعذب أنغامها وطرنا مع الفراشات ورقصنا... شربنا كأس المتعة المترعة، آه...أيتها السعادة لماذا مت شابة ؟؟ لماذا مالت أشعة الحيات إلى غروب الموت ... غابت وهي تلوح بيدها اليمني... وجلست على خشب زورقي  المتآكل  صامتا وحيدا ونطرت إلى تلك النجمة ... آثار أظافرها في شعري وأحمر الشفاه ... لماذا أيتها الوحدة ... لماذا تشل سمعي أيها الصمت .... ولما تطاردني أيها الماضي ... الآن أعلم لما بكت  النجمة هناك بعيدا هناك ... ودخلت برزخ الصمت !! 

dimanche 21 octobre 2012

أيتها العجوز



لست أعرف فيما أنت غارقة هذه الأيام، ولست أعرف من أخبارك قليلا أو كثيرا، ولا أريد أن أعرف من هذا كله شيئا، وما حملني على الكتابة إليك إلا النهوض بواجب الصداقة التي جمعتنا ذلك اليوم الجميل، ولكنه يوم لم يدم أكثر من يوم ثم جدبنا تيار الحياة وضمنا إلى ركب الأحياء الأموات، وعودنا إيقاعه الفاتر الباهت، فليكن خطابي إذا نغما جديدا غير ذلك الذي تسمعينه حولك كل يوم، وليحالفه الحظ ليكون نوعا من التجديد والترفيه، ولا أحسبك من الغرور بحيث تعتقدين منذ الوهلة الأولى أنني سأفاتحك في مشروع حب، لا لم يصل جمالك من السلطان علة قلبي  لتلك الدرجة التي تسطيعي معها أن ترغميني على الحب، أو قولي إنني لم أصل  من الحكمة بحيث أفهم تضاريس جسدك الغامض لتلك الدرجة التي تخولني أن أعشق كما يليق بعاشق، ولا أحسبك من رداءة الذوق بحيث تنتظرين مني أحاديث سوقية لا قيمة، فتوقعي من فضلك شيئا جديد كل الجدة، وخودي وقتك كاملا

البيت القديم


بعد انقطاع طال نصف القرن وجد بنفسه رغبة عنيفة لزيارة حارة الطفولة والشباب، ولولا ذكري موشومة بلون أحمر زكي لما تعرف إليها من شدة التغريب، وعلق بصره بالبيت القديم الذي كان يقصد إليه في جمع الأحباب والأصدقاء صباح مساء، وجاشت في صدره عواطف مكتومة تداري هجر الزمان، وشعر بابتسامة خفاقة تنثر الحياة  في أعصان شجرة التاريخ الشامخة، وتهلل محياه بغلالة فضية أضفت عليه وقارا وشموخا، فلوح بالكوفية على كتفيه واندفع نحو الباب يغالب سعادة تكاد تخرج بعقله عن طور الحكمة، وطرق الباب بأناة ...فتحت مصراعيه عن ظلمة تتألق بها أعين الذئاب ونيران البواريد......
كنت اجده بالدنيا الصاخبة بالأحياء وحيدا يحاور الخواطر، ويتأمل جلال الكون، وقد حملته ريح الغربة فوق السحاب صادعة بأمر صدره المترع بالحنين والأشواق...
قلت له يوما وقد تبدد قلبي عطفا حنينا:
ـ يا ليتكم ما تركتم الحارة القديمة ولا البيت القديم ..........
فقال بصوت نبراته حسرات:
ـ أضعناه حين نسينا من نكون ونسينا من يكون ........... وتضيعونه في البكاء والنحيب ...
وقع من نفسي هذا القول كزيت على نار  .... فرنوت إلى المستقبل في إشفاق من عجز الماضي
لاح في الأفق موكب ساطع من النور، جعل يقترب من حياتي،ثم يقترب أكثر كلما تطلعت إليه
كانوا شبابا يحملون شموع ...... سألتهم : إلى أين موكبكم ...؟؟
أجابوا : إلى البيت القديم........ نضيئه .... سنحاكم الظلام الذي غطى غدر الذئاب
سأضم قبضتي إلى قبضاتكم .....وعزيمتي إلى عزائمكم ... وشمعتي إلى نوركم
إلى البيت القديم ..........!!!

samedi 20 octobre 2012

جلسة شاي


عند المدخل، ترام إلى نفسه أنين العود وأنغام الناي ونبرة صوت شرقي رخامي الصفاء سارح في آهاته، وزكمت أنفه الدقيق رائحة خفيفة غريبة لم يستطع تحديد مذاقها و لونها إذا اتفق أن  للروائح مذقات وألوان، أحسها تجري في خياشهمه خفيفة كأنها السلام ثم يسري في عروقه إلى جسده كله كأنها الرحمة تتسلل إلى نفسه المرهقة، حددها في قرارة نفسه وفي باطن دهنه بشكل لا يقبل الشك ولكن ذلك الشيء الذي في دهنه يبقى غامض، أجل إنه يعرفها  ولكن ليس في مقدوره تسمية تلك النفحة الغريبة  التي ينطق بها جسمه كله وينتشي بها وجوده، وليس في مقدوره أن  يربطها بطعام أو شراب أو نبات أو شيء من الأشاء التي لها روائح، انتابه قلق خفيف أنساه إلقاء السلام بل انساه أنه غريب أو أنه ضيف في غرفة لم يكن قد دخلها من قبل وإن كان بصحبة صديقه الذي تقدمه بخطوتين وأخد مجله على السرير، ثم دهمه عقله وتنبه لوقفته المحرجة وكانوا يحدقون إليه كأنما يفهمون ارتباكه وينتظرون ما يؤول إليه، فحملق بعينيه في جو الغرفة الملبد بغلالة ضبابة مشبعة بأنفاس السجائر والسباسي ولفائف الحشيش يبحث عن صديقه بين الأشباح الثلاثة الهادئة تحت ضوء ضعيف ضاعفت ضعفه غشاوة الدخان، وقرر أن ينهي الموقف بسرعة قبل أن يصبح محرجا فعلا فجمع ذاته وقال في ما يشبه الهتاف :
ـ لسلام عليك..........!!
فردت أصوات ثلاثة:
ـ وعليكم السلام ورحمة الله تعالى.....
وانفرد صوت شاب مليح أضفت عليه بحة الرجولة هبة ووقار مرحبا:
ـ أهلا وسهلا، شرفة الجلسة ......
تقدم خطوتين ومد يده بالسلام ثم عاد لوقفته كأنه ينتظر تصريحا بالجلوس فعاد الصوت المليح كأنه يلقي موالا:
 ـ تفضل اجلس هنا أو هناك أو حيث شئت، تصرف كأن الدار دارك ..!!
فتناول الكرسي الخشبي الصغير وهم بالجلوس فقال الصوت المليح:
ـ لا تعجبني تلك الجلسة إنها تتعبني رغم أن جالسها غيري ..... تفضل والقي بنفسك هناك على الأريكة وأرح نفسك.
فأدععن بتسليم وجلس على نصف السرير الفارغ إلى جانب شخص لم يتبين ملامحه بدقة بعد لكنه تبين صوته الحاد يقول أهلا وسهلا، وأعاد تركيب نفسه من جديد واستأنس بمناخ الغرفة وتبين الوجوه الجديدة، إلى جانبه شاب طويل القامة بدى لطوله ميال إلى النحافة، مقصر شعر  رأسه حتى كاد يبدو حليقا، ضيق الوجه دقيق الأنف يشي صوته الحاد بالحرارة وتشي ملامحه بقوة الشخصية وطيبوبة صادقة، على السرير المقابل يجلس صديقه إلى جانب شاب مفتوح الصدر عريض المنكبين، معتدل القامة أبيض البشرة أسود الشعر كثيفه طويله، كث الشارب مهدب اللحية، عرف من توه أنه صاحب الصوت المليح المرحب، وعادت الغرفة إلى صمتها المترقب فقال صديقه:

حلم


عام جديد، نفس جديد، أمل وأحلام جديدة... هكذا قالت نفسي أو هكذا قلت لنفسي عند باب المعهد راجعا من صيف طويل، وقفت عند الباب وقفة حائرة مترددة وتنفست هواء ذلك الصباح المرطب ملأ رئتاي، وسحبت حقيبتي واقتحمت المعهد كأنني أدخل زمنا جديدا، كانت تصدر صوتا متناغما مع إيقاع خطواتي بشكل غريب، ذلك أول أيام السنة الجامعية و أول صباح، وذلك أول شعور وأول جمال أعيشه في المعهد، إنه الصمت، صمت بليغ يهمس بلغته الصباحية العذراء همسا حلوا يناجي الوجدان ويلملم أطراف النفس المبعثرة، ودخلت الغرفة... كانت موحشة مغتربة، أحسست ذلك من هوائها السجين المتلهف للحياة، أحسست الحنين ينبعث من الجدران والمقاعد والطاولات ومن الصباغة الباهتة، يا له من وفاء!! كأنها تريد أن ترتمي بين دراعي وتعانقني بكل حب الدنيا وتقذف بقلبي شوق ثلاثة أشهر من الغياب، وددت لو أني أفهم لغة الجماد لأقول لها إني أبادلك الوفاء والحب والحنين، وأقول لها أنا أيضا أريد أن أرتمي بين دراعيك وأنشد ألاف القصائد في قبلة، إنني أشعر بها كما تشعر بي ولكننا لا نستطيع أن نتكلم، ولا نستطيع أن نتعانق ونبكي وتمتزج العبرات ونرتاح... هنا في هذه الغرفة قضيت عامين وسأقضي الثالث، هنا أسست عالمي وسهرت عليه بعين الحب والحنان، وهنا كبر عالمي قويا جميلا، هنا كنت أتجول في عالمي وأتحدث وأفكر وأصنع لنفسي أجنحة من الاحلام، هنا أحببت وحلمت أملت ويئست وحزنت....عند الفجر كنت ارتفق خشب الغرفة وأراقب العصافير، وهي الآن تدعوني إليها بابتسامة، خرجت إليها وارتفقت خشبها في لطف وحب واستمعت لصمتي واستمتعت بصمتي، وتذكرت أحلام السنة الماضية وتذكرت حديث نفسي عند الباب  وقلت هذه السنة لن أحلم كثيرا بل سأكف عن الأحلام وسأكتف بتحقيق أحلام السنة الماضية  .... والآن بعد شهر أرتفق خشب الغرفة وأحلم وأبتسم من نفسي ومن أحلامي.....

jeudi 18 octobre 2012

وسقط القناع


آنستي..... دعيني أخبرك أني لا أنطلق في شوارع المدينة ولا أتنزه في حدائق المعهد إلا رأيت عينا ساحرة فاترة تنظر في أناة وخفر، فتنفذ الى أعماق الوجدان وتلذع القلب لذعا رقيقا أليما حلوا، ولا أكاد أخلوا الى نفسي في غرفتي بالمعهد إلا تبدى لي خدا رخيما عليه لمسة الخجل الحمراء الخفيفة، ووصل أذني لحن حلو رقيق رفيق فيه نبرة الأنوثة المهدبة الرهيفة، فينفذا الى الفؤاد ويحدثا فيه نشوة وسكرا لا أشبهها بنشوة الأشجان المنطلقة من أوتار القيثارة أو العود ولا  بتلك التي تحدثها الخمرة اللامعة النقية  وإنما اشبهها بتلك النشوة التي يخلقها هفيف النسيم الصباحي في حياة وردة بيضاء رقيقة تسكن في سلام بعيدا عن الأنامل على قمة تعانق السحاب في حنان بليغ، فترينها تتمايل ذات اليمين وذات الشمال تراقص قرينتها على إيقاع الطبيعة المتناسق الحر الساحر.....
واسمحي آنستي أن أخبرك أن تلك العين وذلك الخد وهذا الصوت ليسا ويا للأسف لا عينك ولا خدك ولا صوتك... إني أرى كل آيات الدهشة وربما الصدمة تنطلق من فاك الفاغر وحاجبيك الذين تلولبا على شكل ذيل عقرب وقد توقعت منك ذلك، وإني آنستي الكريمة لمحرج أشد الحرج من الحقيقة المرة التي واجهتك بها بلا رحمة ودونما حساب لبنيان نفسك  الضعيف الذي وجهته وسقلته ثقافة أصبع الاحمر الفاخر والأصباغ الفاخرة والزي المكشوف الكتفين الفاخر، وقد كابدت كثيرا من العناء لأخفي ما أضمره لأصباغك من الاحتقار والتصغير ولكن الحقيقة ترفض الصمت وتخترع لنفسها طرقا للتعبير عن نفسها، فهي تتسلل من بين أسننا بسلاسة وليونة بالغتين في لحظات الغضب والانفلات كما يتسلل الماء العذب بين صخور الجبال، وكلما حاولنا إمساكها وسجنها كلما ازداد إلحاحها على صدورنا  وثقل وقعها على أرواحنا...
  إني أعلم والناس تعلم أنك تعملين جاهدة، وتقفين أمام المرآة دقائق وربما ساعات تتأملين قدك، وتلطخين وجهك بأخلاط من الأصباغ والمساحيق، وتعذبين نفسك أشد العذاب وأنت تسعين إلى  تصفيف حاجبيك بشكل متناهي الدقة، وتثقلين أهداب عينيك بشتى أنوع المستحضرات وبشتى ألوان الطيف السبعة، تفعلين كل هذا طلبا لقدر من الجمال وتوسلا لنظرة إعجاب عابرة، وإني شخصيا أقدر لك هذا المجهود وأشكر لك جميل الصبر  وتحمل مشقة إسعاد الناس والحياة، فأنت عندما تكونين جميلة تكون الدنيا على خير حال، ولكني أنكر عليك أشد النكر طريقتك هذه في البحث عن الجمال، وأنكر عليك تفانيك فيها رغم أنك ترين كل يوم أن نتائجها عكس تماما ما تتطلعين إليه، ومع ذلك تواصلين التجربة بنفس المعطيات ونفس المقادير ... أهذا غباء وغفلة منك ؟؟ سمعت الكثير عن علو كعب جداتك في فن السحر والفتنة وقرأت الكثير عن باعهن في سلب العقول والقلوب، ولكني منذ زمن ليس بالقصير بدأت أشك في قدرتك على تطوير نفسك وتجديد أسلحتك، وإني اليوم لمحبط أضد الإحباط من تدني مستواك في هذه الفنون كلها، إذ لم يعد يوجد على الأرض  ـ في رأيي على الأقل ـ من تجدي معه أسلحتك المبتذلة وأقنعتك المكشوفة، ربما لأنها تفشل دائما  أمام صمود الزمان أو لأنها تفتقد للتناسق والفنية الطبيعية التي لا نفهمها بعقلنا ولكنها تخلق فينا تلك الحركية الوجدانية التي نسميها الإعجاب، فعليك إذا كنت تريدين البر بتاريخ جداتك والحفاظ عليه أن تعيدي النظر في أقنعتك لأنها لم تعد تخدع شخصا في هذه الدنيا غيرك أنت ....!!!
وأخيرا لا أفوت الفرصة لأكرر الشكر والاعتراف بجميل مجهودك الفاشل في نيل إعجابنا، وألتمس منك أن تعفي نفسك من تعب المساحيق والمستحضرات وأصابع الأحمر الفاخرة لأنها بكل بساطة لا تعجب أحد ولا تخدع أحد، وعودي إلى نفسك وأخرجي لنا تلك المرأة البسيطة الواضحة الجميلة، إننا نحب فيها نفحة الخجل الأنثوي العفوي ..... وشكرا أنستي وتأكدي من حسن نيتي في النصح والإرشاد

لا مكان لك في مدينتي

عجبا منك أيتها المرأة، كلما حاولت التحليق بك في السماء تصرين على المكوث في الارض ، وكلما حملتك بين دراعي للانطلاق في جو المعاني تصرين على البقاء في فلاة المادة القاحلة، وتنشبين أظافرك الطويلة في صدري وتولولين، وتغرسي قدميك في الوحل وتصرخين، كأنني أريد لك الهلاك، وعندما أفكر في التخلص منك والسفر وحدي تذرفي الدمع الغزير وتبكي بكاء شديدا وتتهمين قلبي بالقسوة والجحود وعقلي بقلة الفهم والتخريف، ثم تشقي ثوبك وتلطمي على وجهك وتصيحي يا خرابي ... إنك تظلميني أيتها الظالمة، إني أحبك ... ولكن في حياتي فلسفة، وفلسفتي حب، وحبي حلم وأنت تقتلي الحلم...وأنا لا أكون إلا في الحلم، ولا احيا إلا في حلم بنيت قصوره وحدائقه وروابيه ووديانه بنفسي، ولا أعيش طويلا إلا فيما أخلقه بنفسي داخل نفسي، إني وهم ولي دولة وحدود وقوانين وعرش وتاج وصولجان بنيتها كلها من جميل الكلمات ومطرز الألفاظ والجمل، فكيف أترك مملكتي وأزهد في عرشي وأحرق نفسي في عطش دنياك اليابسة، إن رفضت السمو إلى سمائي فإني أرفض الدنو إلى أرضك... لقد اعتدت الخروج من بعدي المكان والزمان ومن شلل الحياة ومن ألوان الواقع الباهتة والانطلاق في سماء المعنى، إنها تمس قرارة نفسي وتهيج في أخيلتي قدرة الخلق فأنفخ الروح في جسد الموت المطبق حول روح الواقع، وأنسج صورا تتخطى أفق الحياة المادية  المغلق، وأتحرر .... وأنت عدوة الحرية.

إنك جميلة ولجمالك على قلبي سلطان ولكن ستكونين أجمل لو أنك معنى ...آآآآه لو تصبحي معنى .. عندما أراك معنى يملاني  اليقين وأغيب عن الدنيا ويغيب عن وجداني القلق وينتفي  الشك وأصبح حكيما، فأحبك وأزداد حكمة، وتحتلي القلب دون مقاومة، وتشغفيه وشغليه عن كل شيء وأنا أنظر، وتستأثري بكل ما به من قوة وضعف وعاطفة وخمول وأنا أتفرج عليه، وتحجبي عن عيني امور الحياة الدنيا وأنا مرتاح... ولكنك لست كما اصنعك، إنك شخص كباقي الأشخاص، عادية ومسرفة في العادة، باهتة الفكر والشخصية، تغشين المقاهي، وتترددين على الشوارع والطرقات وتجلسين أمام التلفاز تتابعين حلقات المسلسلات، وتضطربين في أمور الدنيا كما يضطرب باقي الناس وأنا لا أستطيع أن أخرق قوانيني فتفضلي غير مطرودة وهاكي منديلي هذا لدموعك إنه ناعم لوجنتيك ... هيا تفضلي لا مكان لك في مدينتي .... أخرجي من دهني. 

شرود


صباح هادئ الروح رائق المزاج لطيف النسيم عذب الأنفاس، أدرت المذياع فعلى صوت ناعم  يرتل كلمات جميلة على إيقاعات لحن كلاسيكي جميل، رتبت أمور الغرفة وأنا اترنم مع اللحن العذب والصوت الشدي الشجي، وأتمايل ذات الشمال حينا وذات اليمين حين آخر  في سعادة قل ما تتحقق، ولكن عمر السعادة كعمر الخطوبة قصير جدا، غاب الصوت الشجي، وتحركت الشمس بخطوتها الوئيدة نحو كبد السماء وغاب النسيم اللطيف رويدا رويدا وصارت الحرارة تعلو في جيد الهواء، ودبت الحياة وتعالى صراخ الأطفال والباعة المتجولين تحت النافدة، إنها الحياة .. إنه الواقع الذي يطاردني طيلة النهار حتى إذا أقبل الليل تلبدت بظلامه وأخفيت نفسي في حلم واهم، ولكنه ينتظرني عند كل صباح بين أشعة الشمس وصياح الديكة ليعلن حربه من جديد فأدبر هاربا من جديد، متى ينتهي هذا السجن وأتحرر وأنظر إلى السماء فلا أرى  سحب الخوف، يا ربي رحمة بي !!يا رب السماوات  أعطيني القوة وانصرني على نفسي وخلصني من أسئلتي وانزع من قلبي الارتباك، واجعل يومي هذا يوم الحسن و معركة اليوم نهاية الحرب، فإني توكلت عليك وعزمت العودة إلى الحياة والعيش حسب ما تقتضيه قوانيننها  بعدما عجزت عن خرقها ، وقررت البدء من حيث أنا الآن وسأفكر في أمور اليوم قبل الغد !! إذا  عليَّ  أن أجد شغلا ومكانا ورفقة أقضي خلاله وفيه ومعهم يومي حتى لا يلتهمه الفراغ، أمكنة كثيرة ووجوه اعتدتها حتى أصبحت متشابهة مجردة من كل إغراء مادي أو روحي، وهذا الوجه المليح  وددت حقا لو أقضي يومي مع صاحبه، ولكن صاحبه حتما له ما يشغله وأنا لا أحب لأنفي أن  ينحشر في حياة الناس، ومها كان يجب أن يمر هذا اليوم ويجب أن ينتهي ويموت ويجب أن يأتي الغد لينتهي هو الآخر ويموت، ويجب أن تتوالى الأيام بانتظام ثم الشهور فالسنوات وأعبر خطوة خطوة من الشباب إلى الكهولة ومن الكهولة الشيخوخة ومن الشيخوخة ومن إلى... آه لا أريد أن أتخيل نفسي ميت في تلك الحفرة التي يسمونها القبر، فلأتراجع قليلا إلى الكهولة أو كثيرا إلى الشباب وبالضبط إلى هذا اليوم صباحا، ولأفكر قليلا كيف أقضي هذا اليوم، وبعد ذلك أقرر، ما اصعب لحظة القرار، إنها انقلاب واسقاط نظام الخوف المستمر وقتل جميع الأسئلة وإبادة الإشكالات، ولكن أين الاختيار ؟؟ لو اخترت اختيارا ما وتبين عند نهاية اليوم أنه لم يكن الاختيار الصائب لن يكون في مقدوري تغيير الأمر، ولن يتأخر من أجلي الزمان لأصحح الخطأ، ولن يبقى بين يدي سوى ندمي وأسفي على يوم ضاع من يدي كما ضاعت سوابقه، ولكن هيهات أن يسمع ندائي الزمان ويعود خطوة إلى الوراء ويمنحني فرصة الاختيار من جديد، لو فعل سأكون شاكرا عارفا لجميله مدى الحياة، ولكن متى توقف الزمان من أجل شخص حتى يتوقف من أجلي ومتى كانت له أدن يسمع بها  حتى يسمع ندائي أنا، ولنقبل افتراضا أنه نظر إلى قصر عمري ورق قلبه لحالي وشملني بعطفه وقال يا أفندي عزَّ علي أن أحرمك من قضاء يومك كما تشتهي فاختر يومك من جديد كأنه لم يكن أو كأنك لم تكن، واطلب ما يحلو لك فكل طلباتك أوامر، ومادام قالها بنفسه فليس من اللياقة أن أرفض، وسأختار بطبيعة الحال كما قال بنفسه ما يحلو لي وسينفد، أولا سأطلب أن يجمعني بمن أحب ويرتب المكان كما يجب، وما دام أنعم فليتم نعمته عليَّ وليرتب لي يومي قبل ثلاثة عشر قرنا في دمشق وفي قصور بني مروان، وليجعلني خليفة على المسلمين ، ويجعل لي خدما وحشم، ويهيأ المأكل والمشرب والمسمع،  أريد أن أتأمل عينيها على ضوء الكأس المترعة وأنسي  في عطرها شؤون الرعية ، وأدرس بين شفتيها هندسة السحر وأرى في رقصة قدميها آلام العود وأحلام الناي، وأطوف أطراف الليل وأجوب أسرار الظلام ثم أقتل نفسي وأحمل جسدي وأعود لأصيح بأعلى صوتي أنا الذي سكرت ونسيت رعيتي وقتلت نفسي، فيرشقني الناس بالتاريخ ويشنقونني على آثار الزمان الغابر، أه منك أيها التاريخ إنك كذلك تتربص بي وتطاردني ... ولكني لن أضع مصيري بين يديك ولن أجعل نفسي بين فكيك، أنك قاسي التهكم  شديد النكاية، لن أذهب إلى دمشق ولن أعود إلى الوراء لحظة واحدة ويجب أن أختار وأقرر قبل أن يدركني الفشل، وتتسلط علىَّ سياط الحيرة... كيف نسيتك أيها الصديق، أيها الفيلسوف العظيم، أنت الذي تنصت إليَّ وتتقن الانصات، وتستوعب قلق دهني وارتباك الكلمات بين شفتاي، وتشعر بغليان الفكرة في أعماق عقلي... الفايسبوك كم أنت رحب الصدر، أقول أي شيء وفي بعض الأحيان أقول اللاشيء وأنت تنصت في أدب دون أن ترتسم على وجهك معالم التهكم أو الازدراء،  حينما أجلس إليك أشعر بالأمان فأحرر الفكرة من حبس الصمت وأتساءل بصوت عالي  دون خوف لأني أعرف أنك لا تحتقر فكرتي ولا تستصغر عقلي ، معك ينتفي الشر وتتحرر الأسئلة وتنطلق النداء في أركان الكون عابرة الحدود الدول وحدود الغرف وحدود الأفراد والعقول، ولكن أدبك هذا وسعت صدرك قد جرت عليك الكثير من العناء والمتاعب في ما اعتقد، إفراطك في حسن الاستماع  جعل بعض الناس يحولونك إلى حائط مبكي يجتمعون حوله ليندبون حظوظ حياتهم السيئة، فهذا يبكي على حبيبته والأخر على فريقه، كأن ليس لك هم سوى الانصات لهموم الآخرين .... أنا اخترتك لأقضي يومي برفقتك كي نفكر معا لا لنبكي.