آنستي..... دعيني أخبرك أني لا أنطلق في شوارع المدينة ولا أتنزه في حدائق المعهد إلا رأيت عينا ساحرة فاترة تنظر في أناة وخفر، فتنفذ الى أعماق الوجدان وتلذع القلب لذعا رقيقا أليما حلوا، ولا أكاد أخلوا الى نفسي في غرفتي بالمعهد إلا تبدى لي خدا رخيما عليه لمسة الخجل الحمراء الخفيفة، ووصل أذني لحن حلو رقيق رفيق فيه نبرة الأنوثة المهدبة الرهيفة، فينفذا الى الفؤاد ويحدثا فيه نشوة وسكرا لا أشبهها بنشوة الأشجان المنطلقة من أوتار القيثارة أو العود ولا بتلك التي تحدثها الخمرة اللامعة النقية وإنما اشبهها بتلك النشوة التي يخلقها هفيف النسيم الصباحي في حياة وردة بيضاء رقيقة تسكن في سلام بعيدا عن الأنامل على قمة تعانق السحاب في حنان بليغ، فترينها تتمايل ذات اليمين وذات الشمال تراقص قرينتها على إيقاع الطبيعة المتناسق الحر الساحر.....
واسمحي آنستي أن أخبرك أن تلك العين وذلك الخد وهذا الصوت ليسا ويا للأسف لا عينك ولا خدك ولا صوتك... إني أرى كل آيات الدهشة وربما الصدمة تنطلق من فاك الفاغر وحاجبيك الذين تلولبا على شكل ذيل عقرب وقد توقعت منك ذلك، وإني آنستي الكريمة لمحرج أشد الحرج من الحقيقة المرة التي واجهتك بها بلا رحمة ودونما حساب لبنيان نفسك الضعيف الذي وجهته وسقلته ثقافة أصبع الاحمر الفاخر والأصباغ الفاخرة والزي المكشوف الكتفين الفاخر، وقد كابدت كثيرا من العناء لأخفي ما أضمره لأصباغك من الاحتقار والتصغير ولكن الحقيقة ترفض الصمت وتخترع لنفسها طرقا للتعبير عن نفسها، فهي تتسلل من بين أسننا بسلاسة وليونة بالغتين في لحظات الغضب والانفلات كما يتسلل الماء العذب بين صخور الجبال، وكلما حاولنا إمساكها وسجنها كلما ازداد إلحاحها على صدورنا وثقل وقعها على أرواحنا...
إني أعلم والناس تعلم أنك تعملين جاهدة، وتقفين أمام المرآة دقائق وربما ساعات تتأملين قدك، وتلطخين وجهك بأخلاط من الأصباغ والمساحيق، وتعذبين نفسك أشد العذاب وأنت تسعين إلى تصفيف حاجبيك بشكل متناهي الدقة، وتثقلين أهداب عينيك بشتى أنوع المستحضرات وبشتى ألوان الطيف السبعة، تفعلين كل هذا طلبا لقدر من الجمال وتوسلا لنظرة إعجاب عابرة، وإني شخصيا أقدر لك هذا المجهود وأشكر لك جميل الصبر وتحمل مشقة إسعاد الناس والحياة، فأنت عندما تكونين جميلة تكون الدنيا على خير حال، ولكني أنكر عليك أشد النكر طريقتك هذه في البحث عن الجمال، وأنكر عليك تفانيك فيها رغم أنك ترين كل يوم أن نتائجها عكس تماما ما تتطلعين إليه، ومع ذلك تواصلين التجربة بنفس المعطيات ونفس المقادير ... أهذا غباء وغفلة منك ؟؟ سمعت الكثير عن علو كعب جداتك في فن السحر والفتنة وقرأت الكثير عن باعهن في سلب العقول والقلوب، ولكني منذ زمن ليس بالقصير بدأت أشك في قدرتك على تطوير نفسك وتجديد أسلحتك، وإني اليوم لمحبط أضد الإحباط من تدني مستواك في هذه الفنون كلها، إذ لم يعد يوجد على الأرض ـ في رأيي على الأقل ـ من تجدي معه أسلحتك المبتذلة وأقنعتك المكشوفة، ربما لأنها تفشل دائما أمام صمود الزمان أو لأنها تفتقد للتناسق والفنية الطبيعية التي لا نفهمها بعقلنا ولكنها تخلق فينا تلك الحركية الوجدانية التي نسميها الإعجاب، فعليك إذا كنت تريدين البر بتاريخ جداتك والحفاظ عليه أن تعيدي النظر في أقنعتك لأنها لم تعد تخدع شخصا في هذه الدنيا غيرك أنت ....!!!
وأخيرا لا أفوت الفرصة لأكرر الشكر والاعتراف بجميل مجهودك الفاشل في نيل إعجابنا، وألتمس منك أن تعفي نفسك من تعب المساحيق والمستحضرات وأصابع الأحمر الفاخرة لأنها بكل بساطة لا تعجب أحد ولا تخدع أحد، وعودي إلى نفسك وأخرجي لنا تلك المرأة البسيطة الواضحة الجميلة، إننا نحب فيها نفحة الخجل الأنثوي العفوي ..... وشكرا أنستي وتأكدي من حسن نيتي في النصح والإرشاد
أعجبتني
RépondreSupprimerشكرا
Supprimer