قد تنتظر بعد هذا العنوان الظريف نوعما من التفكيه أو التنكيت، أو قد تنتظرا حديثا رومنسيا رقيقا ،لا ... لست في مزاج أستطيع معه تذوق تلك الأشياء الجميلة الرائعة وصياغتها، فأود أن أعتدر إذ كنت قد خيبت لك أملا، وأني لأتفهم حق التفهم الموقف، فهذا العنوان يليق أكثر بأحاديث الفكاهة والتنكيت لا بأحاديث الجد المر الذي لا يجب أن نحيد عنه حين نخوض في شؤن حاضر المعهد ومستقبله.
ولكن طالبا من الطلاب وصديق من خاصة الأصدقاء الذين يحملون بالإضافة الى هم حياتهم الخاصة هموم المعهد أراد أن يتكلم في أمر من أمور الساحة الطلابية فضرب الخفافيش مثالا له، يذهب في ذلك مذهب السخرية المرة وإن كانت أمور المعهد لا تحتمل فكاهة ولا سخرية .
صديقنا يزعم ان هاؤلاء الذين نسميهم أو الذين يسمون أنفسهم طلبة ما هو إلا مجموعة من الخفافيش العمياء وأن هذا المكان الذي نتقاسم سكناه ليس كما نعتقد داخلية وإنما هو مجوعة من الجحور والأوكار استوطنتها تلك الخفافيش... ، لا غرابة أن تنكر هذا الكلام أشد النكر وتستشيط غضبا وتخرج عن طورك الهادئ، ولكن مهما فعلت فصديقنا يذهب في حديثه في غير تكلف ولا تعصب، بعيدا كل البعد أن يكون قد حسب له أي حساب أو أقام له أي وزن، وقد ذهبت مذهبك واستشاط بي الغضب وأخدني العصب وخرجت عن طوري الهادئ إذ لم يكن في مقدوري أن أقف إيزاء كلام كهذا موقف المستمع اللامعن بالأمر فاندفعت أعاتب حينا وأزجر حينا وأحاول أن أثنيه عن هذا الرأي الشائن الذي يمس رمز الطالب في المعهد، وهو يجلس قبالتي هدئا متزنا لم تزايله تلك الإبتسامة الماكرة و تلك النظرة الهدأة القوية ، ولا نادما لما صدر عنه من قول ولا مباليا لما صدر عني من فعل...
وأنا حار شديد الإنفعال وأحب الأحاديث الساخنة القوية كما أكره البرود من محدثي خاصة إذا كان الموقف جدي كهذا الذي نضطرب فيه ،فازدادت حدة الكلام مني شئا فشيئا،وازداد الغليان في دماغي حتى كاد أن يخرج الموقف من يدي فتتطور الأمور من جانبي الى رفع صوتي ومن يدري ربما رفع القبضة.. وما أبعده عن التعصب أو ما أبعد التعصب عنه ... ولا أخفيكم أني أشفق أشد الإشفاق من خسران صديق في سبيل فكرة أو موقف مهما كانت خطورة هذه الفكرة أو هذا الموقف، فاخترت مجبرا أن أعود الى الهدوء والروية لعلي أفلح بالملاينة فيما فشلت فيه بالتعصب أو على الأقل أظفر منه بحجة تبدد غصتي أو تجعلني أرى هؤلاء الطلبة خفافيشا كما يراهم.
وقد أصبح الموقف حساس للغاية ويجب أن أنفذ بطريقة من الطرق الى عقل هذا الرجل لأرى كيف بلور هذه القناعة.. ربما تنفع المراوغة، فلماذا لا أجرب.
اعتدلت في جلستي وتنحنحت كأني مباشر الكلام في الحلقية وقلت بالوقار الذي يليق بالموضوع:فيما أرى وربما ترى معي هذه الحقبة محورية في تاريخ المعهد الحديث، ولا شك أن هذه المرحلة سيكون لها ما بعدها بل أراها فاتحة لتغيير جديد وجدري على جميع المستويات،وعلى وجه الخصوص المستوى الفكري،فالوجوه الجديدة التي تفرض نفسها على الساحة لا بد له كلمة تقولها في في المستقبل القريب ....
ـ كلام خفافيش.
قاظعني في هدوء ونطق جملته في هدوء وواصل جلسته الهادئة ونظرته الماكرة، كأن لا شيء حدث ... لا أحب أن أصور لك كم أبغضته وكم استنزلت عليه من اللعنات، أكلف قدرتك على التخيل وإبداع الصور،ولكن لم يكن مناص من التظاهر بالهدوء فتساءلت في شيء من الاستغراب المتصنع :
ـ كيف أسمع منك هذا الكلام وأنت لم تفارق الحلقية يوما ... وإن كنت لا تتكلم فإنك تحضر جميع الأنشطة ؟؟
ـ أحب تخاطف الخفافيش تحت ضوء المصابيح !!
لا يمكن أن أتحمل أكثر فأنا كما قلت لك لا أتحمل البرد حتى من جو من هذا العقل المشلول، وقمت لأنصرف إيثارا للسلامة ولكنه أستوقفني ورجاني أن أجلس لبضع دقائق أخر، فقبلت بعد تردد، ثم قام وطلب لنا الشاي و جلسنا من جديد وجها لوجه ...
قلت في وجوم: هات..!!
في هدوؤه واتزانه المعهودين قال: عز أن تفقد عقلك في البحث عن مقارنة بين طالب المعهد والخفاش.
ـ قلت: وعليه..؟؟
ـ قال : هل حدث وأن راقبت تخاطف الخفافيش تحت أنوار مصابيح الطرقات؟؟
قلت: نعم!!
قال: نعم ....هكذا هم بعض طلبة المعهد، يتخاطفون في كل الاتجاهات من غير منطق ولا فهم ....كالخفاش في طيرانه الرشيق تماما، إذا صادف جدارا أو حاجزا يعكس طريقه دون تفكير في ركوب المغامرة واختراق الجدار... أما الإنسان يا صديقي فيرفض النكوص والرجوع بل يمتحن عقله في التغلب عن صلابة الحاجز وغالبا ما يفوز العقل.
وفقمت فمشيت ....................
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire