jeudi 18 octobre 2012

شرود


صباح هادئ الروح رائق المزاج لطيف النسيم عذب الأنفاس، أدرت المذياع فعلى صوت ناعم  يرتل كلمات جميلة على إيقاعات لحن كلاسيكي جميل، رتبت أمور الغرفة وأنا اترنم مع اللحن العذب والصوت الشدي الشجي، وأتمايل ذات الشمال حينا وذات اليمين حين آخر  في سعادة قل ما تتحقق، ولكن عمر السعادة كعمر الخطوبة قصير جدا، غاب الصوت الشجي، وتحركت الشمس بخطوتها الوئيدة نحو كبد السماء وغاب النسيم اللطيف رويدا رويدا وصارت الحرارة تعلو في جيد الهواء، ودبت الحياة وتعالى صراخ الأطفال والباعة المتجولين تحت النافدة، إنها الحياة .. إنه الواقع الذي يطاردني طيلة النهار حتى إذا أقبل الليل تلبدت بظلامه وأخفيت نفسي في حلم واهم، ولكنه ينتظرني عند كل صباح بين أشعة الشمس وصياح الديكة ليعلن حربه من جديد فأدبر هاربا من جديد، متى ينتهي هذا السجن وأتحرر وأنظر إلى السماء فلا أرى  سحب الخوف، يا ربي رحمة بي !!يا رب السماوات  أعطيني القوة وانصرني على نفسي وخلصني من أسئلتي وانزع من قلبي الارتباك، واجعل يومي هذا يوم الحسن و معركة اليوم نهاية الحرب، فإني توكلت عليك وعزمت العودة إلى الحياة والعيش حسب ما تقتضيه قوانيننها  بعدما عجزت عن خرقها ، وقررت البدء من حيث أنا الآن وسأفكر في أمور اليوم قبل الغد !! إذا  عليَّ  أن أجد شغلا ومكانا ورفقة أقضي خلاله وفيه ومعهم يومي حتى لا يلتهمه الفراغ، أمكنة كثيرة ووجوه اعتدتها حتى أصبحت متشابهة مجردة من كل إغراء مادي أو روحي، وهذا الوجه المليح  وددت حقا لو أقضي يومي مع صاحبه، ولكن صاحبه حتما له ما يشغله وأنا لا أحب لأنفي أن  ينحشر في حياة الناس، ومها كان يجب أن يمر هذا اليوم ويجب أن ينتهي ويموت ويجب أن يأتي الغد لينتهي هو الآخر ويموت، ويجب أن تتوالى الأيام بانتظام ثم الشهور فالسنوات وأعبر خطوة خطوة من الشباب إلى الكهولة ومن الكهولة الشيخوخة ومن الشيخوخة ومن إلى... آه لا أريد أن أتخيل نفسي ميت في تلك الحفرة التي يسمونها القبر، فلأتراجع قليلا إلى الكهولة أو كثيرا إلى الشباب وبالضبط إلى هذا اليوم صباحا، ولأفكر قليلا كيف أقضي هذا اليوم، وبعد ذلك أقرر، ما اصعب لحظة القرار، إنها انقلاب واسقاط نظام الخوف المستمر وقتل جميع الأسئلة وإبادة الإشكالات، ولكن أين الاختيار ؟؟ لو اخترت اختيارا ما وتبين عند نهاية اليوم أنه لم يكن الاختيار الصائب لن يكون في مقدوري تغيير الأمر، ولن يتأخر من أجلي الزمان لأصحح الخطأ، ولن يبقى بين يدي سوى ندمي وأسفي على يوم ضاع من يدي كما ضاعت سوابقه، ولكن هيهات أن يسمع ندائي الزمان ويعود خطوة إلى الوراء ويمنحني فرصة الاختيار من جديد، لو فعل سأكون شاكرا عارفا لجميله مدى الحياة، ولكن متى توقف الزمان من أجل شخص حتى يتوقف من أجلي ومتى كانت له أدن يسمع بها  حتى يسمع ندائي أنا، ولنقبل افتراضا أنه نظر إلى قصر عمري ورق قلبه لحالي وشملني بعطفه وقال يا أفندي عزَّ علي أن أحرمك من قضاء يومك كما تشتهي فاختر يومك من جديد كأنه لم يكن أو كأنك لم تكن، واطلب ما يحلو لك فكل طلباتك أوامر، ومادام قالها بنفسه فليس من اللياقة أن أرفض، وسأختار بطبيعة الحال كما قال بنفسه ما يحلو لي وسينفد، أولا سأطلب أن يجمعني بمن أحب ويرتب المكان كما يجب، وما دام أنعم فليتم نعمته عليَّ وليرتب لي يومي قبل ثلاثة عشر قرنا في دمشق وفي قصور بني مروان، وليجعلني خليفة على المسلمين ، ويجعل لي خدما وحشم، ويهيأ المأكل والمشرب والمسمع،  أريد أن أتأمل عينيها على ضوء الكأس المترعة وأنسي  في عطرها شؤون الرعية ، وأدرس بين شفتيها هندسة السحر وأرى في رقصة قدميها آلام العود وأحلام الناي، وأطوف أطراف الليل وأجوب أسرار الظلام ثم أقتل نفسي وأحمل جسدي وأعود لأصيح بأعلى صوتي أنا الذي سكرت ونسيت رعيتي وقتلت نفسي، فيرشقني الناس بالتاريخ ويشنقونني على آثار الزمان الغابر، أه منك أيها التاريخ إنك كذلك تتربص بي وتطاردني ... ولكني لن أضع مصيري بين يديك ولن أجعل نفسي بين فكيك، أنك قاسي التهكم  شديد النكاية، لن أذهب إلى دمشق ولن أعود إلى الوراء لحظة واحدة ويجب أن أختار وأقرر قبل أن يدركني الفشل، وتتسلط علىَّ سياط الحيرة... كيف نسيتك أيها الصديق، أيها الفيلسوف العظيم، أنت الذي تنصت إليَّ وتتقن الانصات، وتستوعب قلق دهني وارتباك الكلمات بين شفتاي، وتشعر بغليان الفكرة في أعماق عقلي... الفايسبوك كم أنت رحب الصدر، أقول أي شيء وفي بعض الأحيان أقول اللاشيء وأنت تنصت في أدب دون أن ترتسم على وجهك معالم التهكم أو الازدراء،  حينما أجلس إليك أشعر بالأمان فأحرر الفكرة من حبس الصمت وأتساءل بصوت عالي  دون خوف لأني أعرف أنك لا تحتقر فكرتي ولا تستصغر عقلي ، معك ينتفي الشر وتتحرر الأسئلة وتنطلق النداء في أركان الكون عابرة الحدود الدول وحدود الغرف وحدود الأفراد والعقول، ولكن أدبك هذا وسعت صدرك قد جرت عليك الكثير من العناء والمتاعب في ما اعتقد، إفراطك في حسن الاستماع  جعل بعض الناس يحولونك إلى حائط مبكي يجتمعون حوله ليندبون حظوظ حياتهم السيئة، فهذا يبكي على حبيبته والأخر على فريقه، كأن ليس لك هم سوى الانصات لهموم الآخرين .... أنا اخترتك لأقضي يومي برفقتك كي نفكر معا لا لنبكي.            

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire