jeudi 20 décembre 2012

بياض



حياة  بيضاء لا شية فيها، لا أثر يستوقف عينيك الذاهلتين حين تعبر الدرب بخطاك الرتيبة .... أنت الآن قرأت هذه الجملة وتترقب ما بعدها وربما سخطت وتبرمت بي وبما أكتب وكلت لي ما شئت من اللعنات وأغلقت الصفحة ورحت تبحث عن متعتك في مكان آخر.. معك حق، فهي تبدو لأعمى الحس جوفاء لا تحمل معني ولا تفي بغرض،  ولكن لو أمعن النظر قليلا لرأيتها جملة مفيدة سليمة التكوين سليمة المعنى، ولكنك كما عهدتك يستهويك الجدال قبل التأمل وأخد الأمور بالعقل والتأمل، وها أنت  ذا تتساءل في تهكم وسخرية  عما قد تحمله جملة معوجة مفلسفة مثل هذه الجملة من معنى؟ ولكني لن أذهب مذهبك  ولن أزعم لك أنها مفعمة بمعاني يضيق بها عقلك وقلبك معا وليس من العسير علي أن أجد بعض الدلائل والحجج لأظهر صحة زعمي ولكني لو فعلت لكنت أسير سيرة السفاسطة وأصحاب الكلام وأنا لا أريد لنفسي ذلك لسببين، الأول أني لا أحبها والثاني أني متعب متعب  متعب ... فحسبي ان أشرحها وأربطها بحديث له معنى ومنطق وهدف، لربما تفهم وتكف عن هذه السخرية، صدقني لها معنى إن يبدى لك يسوؤك ويكره لك السخرية والتهكم، وربما كره إليك نفسك وكره الحياة إلى نفسك وحبب إليها الموت، وهذا ما لا نحبه لك ولا نرضاه، فأنت على كل حال إنسان له ما للإنسان من عيوب ونقائص، وأخصك الله بنقيصة علاوة على نقائص الإنسان هي نقيصة الجهل، فالإنسان بطبعه عالم وأقصد بعالم متسائل قلق في بحث مستمر عما خفي عنه من أسرار، وأنت جامد توقفت وتحجرت في تهكمك وسخريتك... قد أكون  أغلظت لك في القول وربما اغضبتك وأثرت حفيظتك وأنت الآن تجد علي في صدرك نوعا من العنف التحدي، وربما تحس مني مرارة الظلم لأنك لم تتهكم أصلا ولم تخطر على ملامحك ابتسامة السخرية الباهتة، وإنما أنا وضعت فرضياتي وتصورتك في وضعية لم تعجبني فذهبت أعمل فيك لساني لا لشيء غير أن خيالي سول لي شيئا لم يرقني ولم أرتاح له، وكلت لك من الكلام المر الغليظ دون تجشيم نفسي تعب البحث عن حقيقة الأمر، ولكن لا علي في هذا كله فأنا متعب كما قلت لك وعقلي متعب يخيل إلي بعض الأمور ، ولا عليك أنت أيضا إن تهكمت أو سخرت أو لم تفعل، فما نحن إلا ناس من عامة الناس نحمل عيوب الناس كما سلف وقلت!! فاهدأ نتحدث قليلا علنا نرتاح من أنفسنا ونتخفف من لواعجها، ولا تتوهم أني كنت أريد النيل من راحتك أو إزعاجك، لا ليس كذلك، أنا فقط كنت أتعمد إثارتك وتنفير قواك لتسمع إلي جيدا، فأنا أحتاج من يسمعني بكل قواه، فحديثي هذا شيء من العجز  وضرب من ضروب الضعف، إنها يا صاحبي تلك الشيخوخة المبكرة التي تصيب النفس فتقعدها عن الأحلام وتصغر في عينيها الآمال الأماني والمطامح والمطامع ، ذلك التلف الذي يلم بها فيفسد عليها الحياة ويجعلها لا شيء ..العدم رهيب، أي شك وأي عجز عن إرضاء هذا الشك وكيف السبيل إلى إسكات هذا القلق، أي صمت يكتنف ضجيج الحياة وأي موت يلفها، انبسطت الدنيا مستوى أفقي ممدود لا اعوجاج فيه ولا قمة قد تغوي النفس التواقة إلى المغامرة بالتسلق، لون واحد يسيطر... إنه البياض وشعور واحد ينشر جناحه الخرافي إنه اللاشعور... لعلك تتهمني بعد هذا التصريح الأبيض بالتشاؤم !! إنك تسيء الظن بي كعادتك وكيف لي أن أعذل برجل اعتاد أن يترك المعنى المباشر ويبحث عن ما في دهنه في مقالات الناس عن سوء ظنه، ولكن لا بأس سأقول لك إني لا أستطيع التشاؤم لأن التشاؤم يفترض وجود شيء نطمح إليه ونسيء الظن بقدرتنا على بلوغه وأنا لا أنتظر شيئا ولا أتوقع شيئا جديد، بل كل يمكن أن يحصل قد حصل لكثير من بني البشر ثم مر كما أن لم يحصل شيء، كلها أشياء لا وجود لها، وحقائق مزيفة، وخيالات خادعة تصيبك فتقنعك أنك ذا بال في هذه الدنيا والحقيقة أنك دلوا يملأ حينا ويفرع حينا ثم يبلى فيرمى في سلة المهملات...كل تجارب الحياة عيشت، أنا أريد شيئا جديدا لا أجده،  فلأشخ الأن وأنعم بالبياض.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire