mardi 13 novembre 2012

نزلة أحلام


طرقت باب الغرفة ثم دفعه ودخلت، كان مستلقيا على ظهره، رجلاه ممدودتان ويداه مشبوكتان خلف رقبته.. ووجهه مشرق بابتسامة بلهاء تكاد تكون السعادة في صفائها... ابتسمت دون أن أعرف متى ابتسمت ولما، وقلت:

ـ أراك سعيدا، مع أن كل الظروف تدعوا إلى غير ذلك، ربما هناك شيء تخبرني به ...!!
ـ نعم كنت أخطط لحياتي ... !!
 ينام اثنتي عشر ساعة، يفتح الفايسبوك لست  ساعات ويقسم  ما تبقى بين المطعم والمقصف والتسكع... ربما قرر أن يعكس منطق حياته، يدرس اثنتي عشر ساعة، يقرأ أربع ساعات، يتسلي ساعتان وينام ست ساعات، إذا كان الأمر كذلك فإن المسألة تستحق الاهتمام والتشجيع فقررت أن أبدي اهتمامي بالمسألة وابدل له ما استطعت من التشجيع، فقلت في بجدية:
ـ قل لنا... احكي كلنا  آذان مصغية.
اعتدل في جلسته، ونظر إلي بجدية وراح يحكي:
لقد فكرت جيدا هذا الصباح وقررت ان أتزوج، ولكن اعترضتني مشكلة أين سأجدها ..يعني زوجتي !! كل مشكلتي الآن أن أراها، فإن رأيتها في مكان ما فإنني سأعرفها بالتأكيد، إنها جميلة كالوردة معتدلة كالغصن مهدبة كالحمامة خفيفة كالنسمة، من أسرة محترمة من الطبقة المتوسطة مثلي تماما، مثقفة وعل درجة عالية من الدراية بعلم الحياة،
سأراها لأول مرة في باب الكلية تحمل حقيبة يد صغيرة وتتأبط كراسة من الحجم الكبير  ذاهبة في خطاها الوئيدة إلى الدرس،  من
النظرة الاولى سيجري بيننا تفاهم خفيف، وأتردد على باب الكلية في مواقيت دخولها وخروجها لأظفر بتلك النظرة الخاطفة وأعود مظفرا إلى غرفتي لأكتب قصيدة شعر، وتذهب زوجتي الحبيبة إلى بيت لتغمض عينيها وتحلم،   ويزداد تفاهمنا الصامت مع الأيام ..ثم يبدأ الحب ويكبر ، ويتحول إلى عشق عنيف جارف، وأتذوق ذلك العذاب العذب الحلو الرقيق، وأسهر لأسأل النجوم وأبعث لها الشوق عبر ضوء القمر، وتتكرر النظرات الخاطفة كل يوم، ويطغي حبنا في صمت، حتى أهزم وتكاد تهزم حبيبتي، وأجلب امي إلي باب الكلية عند موعد الخروج، ونتقدم إليها ونلقي التحية ونتعرف إليها وتخبرها أمي بالغرض، لن تصدق جمال وحيرة تلك اللحظة، لم ستطع النظر إلى عينيها، إني عاجز لا أستطيع،
ونرافقها إلي أهلها ونخبرهم بالغرض، أسرة كريمة وطيبة، سيستقبلونا كما يليق بالطيف ويوعدونا أن يبعثوا لنا الجواب بعد عشرة أيام، ومرت تسعة أيام حائرة شيقة، ويرن هاتفي على الاعة السابع والنصف من اليوم العاشر وأجيب و يأتي الصوت الملائكي، آه يا صديقي  كيف أسجل تلك اللحظة، لا شك أنه سيسجلها التاريخ ، هي ميلاد العشاق وهجرة الأحباب.. ومن ساعتي أسرعت إلى باب الكلية، كانت تنتظرني بابتسامة، إنها اللحظة التي أتعرف فيها معنى الابتسامة، إنها ساعة الجمال والجلال إنها الحياة تتدفق في لحظة، في نظرة.. وأقترب وألقي التحية فترد التحية مجللة بالحياء، وتتعذر بالتأخر عن الدرس وتنصرف وأنصرف أنا بلا هدف، أجوب الطرقات والشوارع والحدائق والفضاءات العمومية لعلي أتعب واصحوا وأرتاح من السعادة التي تكاد تجري في عروقي مجرى دمي، وتعلن الخطوبة مساء ذلك اليوم ويمر شهر على إيقاع إعدادات الزفاف السعيد، وتزف إلي زوجتي الحبيبة  ويصبح كل منا شقيق الأخر، يبحه ويخاف عليه وعلى مشاعره، وتمضي الأيام هادئة جميلة سعيدة، وتقتصر حياتي على زوجتي، أعو د من العمل إلى البيت وأمضي ما تبقى لي من يومي مع زوجتي الحبيبة في لعب وسعادة، أو نزور أسرتي أو أسرتها أو بعض الأقارب، وبعد عام تصبح حبيبتي أما وأصبح أبا، وفي العام الثالث تصبح أما وأصبح أبا من جديد، طفل كالعصور وطفلة كالفراشة يلعبان بيننا طول الوقت، هكذا سأقضي حياتي في عشي الحنون، أبدأ يومي في مساعدتها لإعداد الشاي القهوة، وحليب الصباح الأطفال ونجلس إلى المائدة، ومعنا العصور والفراشة فنشرب الشاي ونتبادل الأحاديث والابتسامات... ثم تتحرك إلى غرفة النوم فتعد ملابس الخروج ، وتقدم لي المشط لأسرح شعري وتشرف على كل شؤوني وتلقي علي نظرة امام المرآة... تم تودعني بابتسامتها الحلوة وقبلتها الرقيقة وأنا ذاهب إلى العمل، وتظل تراقبني إلى أن أغيب عنها عند الباب ثم تعود إلى شقتها وتدبر شؤون حياتنا بحبها الكبير للنظافة وبذوقها الأنيق، وأثناء عملي أكتب لها عشرات الرسائل القصيرة،  .... وعندما أعود إلى البيت بعد العمل أجد الشقة نظيفة منسقة، ينبعث منها شذا البخور التي تشعلها لتغطي على رائحة المطبخ بعد الطهي، وأجد الطعام جاهزا والمائدة معدة، وعصفوري في بدلته الزرقاء  والفراشة في فستان مريش، و موسيقى كلاسيكية تنطلق من ركن المسجل، وزوجتي بدلت ملابسها وسرحت شعرها ووضعت لمسة أحمر خفيف وخط كحل خفيف ورشة عطر خفيف، تنتظرني بابتسامتها الخلابة، أقدم لها وردة و فتقودني إلى غرفة النوم لأبدل ملابسي ثم إلى المائدة للطعام ثم إلى الصالة للشاي وأخبار الظهيرة، وأغفو قليلا، وبعض شاي العصر تقترح علي الحبيبة أن أخرج وحدي لزيارة صديق، أو الجلوس في المقهى ولقاء الأصحاب، فأرفض ولو كنت أنت صديقي الذي قضيت معه ثلاث سنوات في نفس المعهد وفي نفس الغرفة، ونقضي عشيتنا نلعب الشطرنج وأو تنس الطاولة وحولنا الطفلين الجميلين حتى ننام مطمئنين، هكذا ستمر حياتي كما خططت لها....
كنت أنصت إليه، وأتفرس في وجهه، وأكتم الغضب، وأحاول ان أكبح يدي قبل أن  أصفعه، وتوجهت إلى الإدارة وأنا ألعن وأسب الأقدار التي وضعتني مع هذا المجنون في نفس الغرفة، ودخلت على المدير وأخبرته أن رفيقي في الغرفة مصاب بانفصام في الشخصية يحصل له في كثير من الأوقات تداخل بين شخصيته الحقيقة وشخصية خليفة المسلمين هارون الرشيد وطلبت منه أن يوفر متابعة طبية نفسية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire