لست أعرف فيما أنت غارقة هذه الأيام، ولست أعرف من
أخبارك قليلا أو كثيرا، ولا أريد أن أعرف من هذا كله شيئا، وما حملني على الكتابة
إليك إلا النهوض بواجب الصداقة التي جمعتنا ذلك اليوم الجميل، ولكنه يوم لم يدم
أكثر من يوم ثم جدبنا تيار الحياة وضمنا إلى ركب الأحياء الأموات، وعودنا إيقاعه
الفاتر الباهت، فليكن خطابي إذا نغما جديدا غير ذلك الذي تسمعينه حولك كل يوم، وليحالفه
الحظ ليكون نوعا من التجديد والترفيه، ولا أحسبك من الغرور بحيث تعتقدين منذ
الوهلة الأولى أنني سأفاتحك في مشروع حب، لا لم يصل جمالك من السلطان علة قلبي لتلك الدرجة التي تسطيعي معها أن ترغميني على
الحب، أو قولي إنني لم أصل من الحكمة بحيث
أفهم تضاريس جسدك الغامض لتلك الدرجة التي تخولني أن أعشق كما يليق بعاشق، ولا
أحسبك من رداءة الذوق بحيث تنتظرين مني أحاديث سوقية لا قيمة، فتوقعي من فضلك شيئا
جديد كل الجدة، وخودي وقتك كاملا
dimanche 21 octobre 2012
البيت القديم
بعد انقطاع طال
نصف القرن وجد بنفسه رغبة عنيفة لزيارة حارة الطفولة والشباب، ولولا ذكري موشومة بلون أحمر زكي لما تعرف إليها من شدة التغريب، وعلق بصره بالبيت القديم الذي كان يقصد إليه في جمع الأحباب والأصدقاء صباح
مساء، وجاشت في صدره عواطف مكتومة تداري هجر
الزمان، وشعر بابتسامة خفاقة تنثر الحياة في أعصان شجرة التاريخ الشامخة، وتهلل محياه
بغلالة فضية أضفت عليه وقارا وشموخا، فلوح بالكوفية على كتفيه واندفع نحو الباب
يغالب سعادة تكاد تخرج بعقله عن طور الحكمة، وطرق الباب بأناة ...فتحت
مصراعيه عن ظلمة تتألق بها أعين الذئاب ونيران البواريد......
كنت
اجده بالدنيا الصاخبة بالأحياء وحيدا يحاور الخواطر، ويتأمل جلال
الكون، وقد
حملته ريح الغربة فوق السحاب صادعة بأمر صدره المترع بالحنين والأشواق...
قلت
له يوما وقد تبدد قلبي عطفا حنينا:
ـ
يا ليتكم ما تركتم الحارة القديمة ولا البيت القديم ..........
فقال
بصوت نبراته حسرات:
ـ
أضعناه حين نسينا من نكون ونسينا من يكون ........... وتضيعونه في البكاء والنحيب
...
وقع
من نفسي هذا القول كزيت على نار ....
فرنوت إلى المستقبل في إشفاق من عجز الماضي
لاح
في الأفق موكب ساطع من النور، جعل يقترب من حياتي،ثم يقترب أكثر كلما تطلعت إليه
كانوا
شبابا يحملون شموع ...... سألتهم : إلى أين موكبكم ...؟؟
أجابوا
: إلى البيت القديم........ نضيئه .... سنحاكم الظلام الذي غطى غدر الذئاب
سأضم
قبضتي إلى قبضاتكم .....وعزيمتي إلى عزائمكم ... وشمعتي إلى نوركم
إلى
البيت القديم ..........!!!
samedi 20 octobre 2012
جلسة شاي
عند المدخل، ترام
إلى نفسه أنين العود وأنغام الناي ونبرة صوت شرقي رخامي الصفاء سارح في آهاته،
وزكمت أنفه الدقيق رائحة خفيفة غريبة لم يستطع تحديد مذاقها و لونها إذا اتفق
أن للروائح مذقات وألوان، أحسها تجري في
خياشهمه خفيفة كأنها السلام ثم يسري في عروقه إلى جسده كله كأنها الرحمة تتسلل إلى
نفسه المرهقة، حددها في قرارة نفسه وفي باطن دهنه بشكل لا يقبل الشك ولكن ذلك
الشيء الذي في دهنه يبقى غامض، أجل إنه يعرفها
ولكن ليس في مقدوره تسمية تلك النفحة الغريبة التي ينطق بها جسمه كله وينتشي بها وجوده، وليس
في مقدوره أن يربطها بطعام أو شراب أو
نبات أو شيء من الأشاء التي لها روائح، انتابه قلق خفيف أنساه إلقاء السلام بل
انساه أنه غريب أو أنه ضيف في غرفة لم يكن قد دخلها من قبل وإن كان بصحبة صديقه
الذي تقدمه بخطوتين وأخد مجله على السرير، ثم دهمه عقله وتنبه لوقفته المحرجة وكانوا
يحدقون إليه كأنما يفهمون ارتباكه وينتظرون ما يؤول إليه، فحملق بعينيه في جو
الغرفة الملبد بغلالة ضبابة مشبعة بأنفاس السجائر والسباسي ولفائف الحشيش يبحث عن
صديقه بين الأشباح الثلاثة الهادئة تحت ضوء ضعيف ضاعفت ضعفه غشاوة الدخان، وقرر أن
ينهي الموقف بسرعة قبل أن يصبح محرجا فعلا فجمع ذاته وقال في ما يشبه الهتاف :
ـ لسلام
عليك..........!!
فردت أصوات ثلاثة:
ـ وعليكم السلام
ورحمة الله تعالى.....
وانفرد صوت شاب
مليح أضفت عليه بحة الرجولة هبة ووقار مرحبا:
ـ أهلا وسهلا،
شرفة الجلسة ......
تقدم خطوتين ومد
يده بالسلام ثم عاد لوقفته كأنه ينتظر تصريحا بالجلوس فعاد الصوت المليح كأنه يلقي
موالا:
ـ تفضل اجلس هنا أو هناك أو حيث شئت، تصرف كأن
الدار دارك ..!!
فتناول الكرسي
الخشبي الصغير وهم بالجلوس فقال الصوت المليح:
ـ لا تعجبني تلك
الجلسة إنها تتعبني رغم أن جالسها غيري ..... تفضل والقي بنفسك هناك على الأريكة
وأرح نفسك.
فأدععن بتسليم
وجلس على نصف السرير الفارغ إلى جانب شخص لم يتبين ملامحه بدقة بعد لكنه تبين صوته
الحاد يقول أهلا وسهلا، وأعاد تركيب نفسه من جديد واستأنس بمناخ الغرفة وتبين
الوجوه الجديدة، إلى جانبه شاب طويل القامة بدى لطوله ميال إلى النحافة، مقصر
شعر رأسه حتى كاد يبدو حليقا، ضيق الوجه
دقيق الأنف يشي صوته الحاد بالحرارة وتشي ملامحه بقوة الشخصية وطيبوبة صادقة، على
السرير المقابل يجلس صديقه إلى جانب شاب مفتوح الصدر عريض المنكبين، معتدل القامة
أبيض البشرة أسود الشعر كثيفه طويله، كث الشارب مهدب اللحية، عرف من توه أنه صاحب
الصوت المليح المرحب، وعادت الغرفة إلى صمتها المترقب فقال صديقه:
حلم
عام جديد، نفس جديد، أمل وأحلام جديدة... هكذا قالت نفسي أو هكذا قلت لنفسي عند باب المعهد راجعا من صيف طويل، وقفت عند الباب وقفة حائرة مترددة وتنفست هواء ذلك الصباح المرطب ملأ رئتاي، وسحبت حقيبتي واقتحمت المعهد كأنني أدخل زمنا جديدا، كانت تصدر صوتا متناغما مع إيقاع خطواتي بشكل غريب، ذلك أول أيام السنة الجامعية و أول صباح، وذلك أول شعور وأول جمال أعيشه في المعهد، إنه الصمت، صمت بليغ يهمس بلغته الصباحية العذراء همسا حلوا يناجي الوجدان ويلملم أطراف النفس المبعثرة، ودخلت الغرفة... كانت موحشة مغتربة، أحسست ذلك من هوائها السجين المتلهف للحياة، أحسست الحنين ينبعث من الجدران والمقاعد والطاولات ومن الصباغة الباهتة، يا له من وفاء!! كأنها تريد أن ترتمي بين دراعي وتعانقني بكل حب الدنيا وتقذف بقلبي شوق ثلاثة أشهر من الغياب، وددت لو أني أفهم لغة الجماد لأقول لها إني أبادلك الوفاء والحب والحنين، وأقول لها أنا أيضا أريد أن أرتمي بين دراعيك وأنشد ألاف القصائد في قبلة، إنني أشعر بها كما تشعر بي ولكننا لا نستطيع أن نتكلم، ولا نستطيع أن نتعانق ونبكي وتمتزج العبرات ونرتاح... هنا في هذه الغرفة قضيت عامين وسأقضي الثالث، هنا أسست عالمي وسهرت عليه بعين الحب والحنان، وهنا كبر عالمي قويا جميلا، هنا كنت أتجول في عالمي وأتحدث وأفكر وأصنع لنفسي أجنحة من الاحلام، هنا أحببت وحلمت أملت ويئست وحزنت....عند الفجر كنت ارتفق خشب الغرفة وأراقب العصافير، وهي الآن تدعوني إليها بابتسامة، خرجت إليها وارتفقت خشبها في لطف وحب واستمعت لصمتي واستمتعت بصمتي، وتذكرت أحلام السنة الماضية وتذكرت حديث نفسي عند الباب وقلت هذه السنة لن أحلم كثيرا بل سأكف عن الأحلام وسأكتف بتحقيق أحلام السنة الماضية .... والآن بعد شهر أرتفق خشب الغرفة وأحلم وأبتسم من نفسي ومن أحلامي.....
jeudi 18 octobre 2012
وسقط القناع
آنستي..... دعيني أخبرك أني لا أنطلق في شوارع المدينة ولا أتنزه في حدائق المعهد إلا رأيت عينا ساحرة فاترة تنظر في أناة وخفر، فتنفذ الى أعماق الوجدان وتلذع القلب لذعا رقيقا أليما حلوا، ولا أكاد أخلوا الى نفسي في غرفتي بالمعهد إلا تبدى لي خدا رخيما عليه لمسة الخجل الحمراء الخفيفة، ووصل أذني لحن حلو رقيق رفيق فيه نبرة الأنوثة المهدبة الرهيفة، فينفذا الى الفؤاد ويحدثا فيه نشوة وسكرا لا أشبهها بنشوة الأشجان المنطلقة من أوتار القيثارة أو العود ولا بتلك التي تحدثها الخمرة اللامعة النقية وإنما اشبهها بتلك النشوة التي يخلقها هفيف النسيم الصباحي في حياة وردة بيضاء رقيقة تسكن في سلام بعيدا عن الأنامل على قمة تعانق السحاب في حنان بليغ، فترينها تتمايل ذات اليمين وذات الشمال تراقص قرينتها على إيقاع الطبيعة المتناسق الحر الساحر.....
واسمحي آنستي أن أخبرك أن تلك العين وذلك الخد وهذا الصوت ليسا ويا للأسف لا عينك ولا خدك ولا صوتك... إني أرى كل آيات الدهشة وربما الصدمة تنطلق من فاك الفاغر وحاجبيك الذين تلولبا على شكل ذيل عقرب وقد توقعت منك ذلك، وإني آنستي الكريمة لمحرج أشد الحرج من الحقيقة المرة التي واجهتك بها بلا رحمة ودونما حساب لبنيان نفسك الضعيف الذي وجهته وسقلته ثقافة أصبع الاحمر الفاخر والأصباغ الفاخرة والزي المكشوف الكتفين الفاخر، وقد كابدت كثيرا من العناء لأخفي ما أضمره لأصباغك من الاحتقار والتصغير ولكن الحقيقة ترفض الصمت وتخترع لنفسها طرقا للتعبير عن نفسها، فهي تتسلل من بين أسننا بسلاسة وليونة بالغتين في لحظات الغضب والانفلات كما يتسلل الماء العذب بين صخور الجبال، وكلما حاولنا إمساكها وسجنها كلما ازداد إلحاحها على صدورنا وثقل وقعها على أرواحنا...
إني أعلم والناس تعلم أنك تعملين جاهدة، وتقفين أمام المرآة دقائق وربما ساعات تتأملين قدك، وتلطخين وجهك بأخلاط من الأصباغ والمساحيق، وتعذبين نفسك أشد العذاب وأنت تسعين إلى تصفيف حاجبيك بشكل متناهي الدقة، وتثقلين أهداب عينيك بشتى أنوع المستحضرات وبشتى ألوان الطيف السبعة، تفعلين كل هذا طلبا لقدر من الجمال وتوسلا لنظرة إعجاب عابرة، وإني شخصيا أقدر لك هذا المجهود وأشكر لك جميل الصبر وتحمل مشقة إسعاد الناس والحياة، فأنت عندما تكونين جميلة تكون الدنيا على خير حال، ولكني أنكر عليك أشد النكر طريقتك هذه في البحث عن الجمال، وأنكر عليك تفانيك فيها رغم أنك ترين كل يوم أن نتائجها عكس تماما ما تتطلعين إليه، ومع ذلك تواصلين التجربة بنفس المعطيات ونفس المقادير ... أهذا غباء وغفلة منك ؟؟ سمعت الكثير عن علو كعب جداتك في فن السحر والفتنة وقرأت الكثير عن باعهن في سلب العقول والقلوب، ولكني منذ زمن ليس بالقصير بدأت أشك في قدرتك على تطوير نفسك وتجديد أسلحتك، وإني اليوم لمحبط أضد الإحباط من تدني مستواك في هذه الفنون كلها، إذ لم يعد يوجد على الأرض ـ في رأيي على الأقل ـ من تجدي معه أسلحتك المبتذلة وأقنعتك المكشوفة، ربما لأنها تفشل دائما أمام صمود الزمان أو لأنها تفتقد للتناسق والفنية الطبيعية التي لا نفهمها بعقلنا ولكنها تخلق فينا تلك الحركية الوجدانية التي نسميها الإعجاب، فعليك إذا كنت تريدين البر بتاريخ جداتك والحفاظ عليه أن تعيدي النظر في أقنعتك لأنها لم تعد تخدع شخصا في هذه الدنيا غيرك أنت ....!!!
وأخيرا لا أفوت الفرصة لأكرر الشكر والاعتراف بجميل مجهودك الفاشل في نيل إعجابنا، وألتمس منك أن تعفي نفسك من تعب المساحيق والمستحضرات وأصابع الأحمر الفاخرة لأنها بكل بساطة لا تعجب أحد ولا تخدع أحد، وعودي إلى نفسك وأخرجي لنا تلك المرأة البسيطة الواضحة الجميلة، إننا نحب فيها نفحة الخجل الأنثوي العفوي ..... وشكرا أنستي وتأكدي من حسن نيتي في النصح والإرشاد
لا مكان لك في مدينتي
عجبا منك أيتها
المرأة، كلما حاولت التحليق بك في السماء تصرين على المكوث في الارض ، وكلما حملتك
بين دراعي للانطلاق في جو المعاني تصرين على البقاء في فلاة المادة القاحلة،
وتنشبين أظافرك الطويلة في صدري وتولولين، وتغرسي قدميك في الوحل وتصرخين، كأنني
أريد لك الهلاك، وعندما أفكر في التخلص منك والسفر وحدي تذرفي الدمع الغزير وتبكي
بكاء شديدا وتتهمين قلبي بالقسوة والجحود وعقلي بقلة الفهم والتخريف، ثم تشقي ثوبك
وتلطمي على وجهك وتصيحي يا خرابي ... إنك تظلميني أيتها الظالمة، إني أحبك ...
ولكن في حياتي فلسفة، وفلسفتي حب، وحبي حلم وأنت تقتلي الحلم...وأنا لا أكون إلا
في الحلم، ولا احيا إلا في حلم بنيت
قصوره وحدائقه وروابيه ووديانه بنفسي، ولا أعيش طويلا إلا فيما أخلقه بنفسي داخل
نفسي، إني وهم ولي دولة وحدود وقوانين وعرش وتاج وصولجان بنيتها كلها من جميل الكلمات ومطرز الألفاظ والجمل، فكيف
أترك مملكتي وأزهد في عرشي وأحرق نفسي في عطش دنياك اليابسة، إن رفضت السمو إلى
سمائي فإني أرفض الدنو إلى أرضك... لقد اعتدت
الخروج من بعدي المكان والزمان ومن شلل الحياة ومن ألوان الواقع الباهتة والانطلاق
في سماء المعنى، إنها تمس قرارة نفسي وتهيج في أخيلتي قدرة الخلق فأنفخ الروح في جسد
الموت المطبق حول روح الواقع، وأنسج صورا تتخطى أفق الحياة المادية المغلق، وأتحرر .... وأنت عدوة الحرية.
إنك جميلة ولجمالك على قلبي سلطان ولكن ستكونين أجمل لو أنك معنى ...آآآآه لو تصبحي معنى .. عندما أراك معنى يملاني اليقين وأغيب عن الدنيا ويغيب عن وجداني القلق وينتفي الشك وأصبح حكيما، فأحبك وأزداد حكمة، وتحتلي القلب دون مقاومة، وتشغفيه وشغليه عن كل شيء وأنا أنظر، وتستأثري بكل ما به من قوة وضعف وعاطفة وخمول وأنا أتفرج عليه، وتحجبي عن عيني امور الحياة الدنيا وأنا مرتاح... ولكنك لست كما اصنعك، إنك شخص كباقي الأشخاص، عادية ومسرفة في العادة، باهتة الفكر والشخصية، تغشين المقاهي، وتترددين على الشوارع والطرقات وتجلسين أمام التلفاز تتابعين حلقات المسلسلات، وتضطربين في أمور الدنيا كما يضطرب باقي الناس وأنا لا أستطيع أن أخرق قوانيني فتفضلي غير مطرودة وهاكي منديلي هذا لدموعك إنه ناعم لوجنتيك ... هيا تفضلي لا مكان لك في مدينتي .... أخرجي من دهني.
إنك جميلة ولجمالك على قلبي سلطان ولكن ستكونين أجمل لو أنك معنى ...آآآآه لو تصبحي معنى .. عندما أراك معنى يملاني اليقين وأغيب عن الدنيا ويغيب عن وجداني القلق وينتفي الشك وأصبح حكيما، فأحبك وأزداد حكمة، وتحتلي القلب دون مقاومة، وتشغفيه وشغليه عن كل شيء وأنا أنظر، وتستأثري بكل ما به من قوة وضعف وعاطفة وخمول وأنا أتفرج عليه، وتحجبي عن عيني امور الحياة الدنيا وأنا مرتاح... ولكنك لست كما اصنعك، إنك شخص كباقي الأشخاص، عادية ومسرفة في العادة، باهتة الفكر والشخصية، تغشين المقاهي، وتترددين على الشوارع والطرقات وتجلسين أمام التلفاز تتابعين حلقات المسلسلات، وتضطربين في أمور الدنيا كما يضطرب باقي الناس وأنا لا أستطيع أن أخرق قوانيني فتفضلي غير مطرودة وهاكي منديلي هذا لدموعك إنه ناعم لوجنتيك ... هيا تفضلي لا مكان لك في مدينتي .... أخرجي من دهني.
شرود
صباح هادئ الروح رائق المزاج لطيف النسيم عذب الأنفاس، أدرت المذياع فعلى
صوت ناعم يرتل كلمات جميلة على إيقاعات
لحن كلاسيكي جميل، رتبت أمور الغرفة وأنا اترنم مع اللحن العذب والصوت الشدي
الشجي، وأتمايل ذات الشمال حينا وذات اليمين حين آخر في سعادة قل ما تتحقق، ولكن عمر السعادة كعمر
الخطوبة قصير جدا، غاب الصوت الشجي، وتحركت الشمس بخطوتها الوئيدة نحو كبد السماء
وغاب النسيم اللطيف رويدا رويدا وصارت الحرارة تعلو في جيد الهواء، ودبت الحياة
وتعالى صراخ الأطفال والباعة المتجولين تحت النافدة، إنها الحياة .. إنه الواقع
الذي يطاردني طيلة النهار حتى إذا أقبل الليل تلبدت بظلامه وأخفيت نفسي في حلم
واهم، ولكنه ينتظرني عند كل صباح بين أشعة الشمس وصياح الديكة ليعلن حربه من جديد
فأدبر هاربا من جديد، متى ينتهي هذا السجن وأتحرر وأنظر إلى السماء فلا أرى سحب الخوف، يا ربي رحمة بي !!يا رب
السماوات أعطيني القوة وانصرني على نفسي
وخلصني من أسئلتي وانزع من قلبي الارتباك، واجعل يومي هذا يوم الحسن و معركة اليوم
نهاية الحرب، فإني توكلت عليك وعزمت العودة إلى الحياة والعيش حسب ما تقتضيه
قوانيننها بعدما عجزت عن خرقها ، وقررت
البدء من حيث أنا الآن وسأفكر في أمور اليوم قبل الغد !! إذا عليَّ
أن أجد شغلا ومكانا ورفقة أقضي خلاله وفيه ومعهم يومي حتى لا يلتهمه
الفراغ، أمكنة كثيرة ووجوه اعتدتها حتى أصبحت متشابهة مجردة من كل إغراء مادي أو
روحي، وهذا الوجه المليح وددت حقا لو أقضي
يومي مع صاحبه، ولكن صاحبه حتما له ما يشغله وأنا لا أحب لأنفي أن ينحشر في حياة الناس، ومها كان يجب أن يمر هذا
اليوم ويجب أن ينتهي ويموت ويجب أن يأتي الغد لينتهي هو الآخر ويموت، ويجب أن
تتوالى الأيام بانتظام ثم الشهور فالسنوات وأعبر خطوة خطوة من الشباب إلى الكهولة
ومن الكهولة الشيخوخة ومن الشيخوخة ومن إلى... آه لا أريد أن أتخيل نفسي ميت في
تلك الحفرة التي يسمونها القبر، فلأتراجع قليلا إلى الكهولة أو كثيرا إلى الشباب
وبالضبط إلى هذا اليوم صباحا، ولأفكر قليلا كيف أقضي هذا اليوم، وبعد ذلك أقرر، ما
اصعب لحظة القرار، إنها انقلاب واسقاط نظام الخوف المستمر وقتل جميع الأسئلة
وإبادة الإشكالات، ولكن أين الاختيار ؟؟ لو اخترت اختيارا ما وتبين عند نهاية
اليوم أنه لم يكن الاختيار الصائب لن يكون في مقدوري تغيير الأمر، ولن يتأخر من
أجلي الزمان لأصحح الخطأ، ولن يبقى بين يدي سوى ندمي وأسفي على يوم ضاع من يدي كما
ضاعت سوابقه، ولكن هيهات أن يسمع ندائي الزمان ويعود خطوة إلى الوراء ويمنحني فرصة
الاختيار من جديد، لو فعل سأكون شاكرا عارفا لجميله مدى الحياة، ولكن متى توقف
الزمان من أجل شخص حتى يتوقف من أجلي ومتى كانت له أدن يسمع بها حتى يسمع ندائي أنا، ولنقبل افتراضا أنه نظر
إلى قصر عمري ورق قلبه لحالي وشملني بعطفه وقال يا أفندي عزَّ علي أن أحرمك من
قضاء يومك كما تشتهي فاختر يومك من جديد كأنه لم يكن أو كأنك لم تكن، واطلب ما
يحلو لك فكل طلباتك أوامر، ومادام قالها بنفسه فليس من اللياقة أن أرفض، وسأختار بطبيعة
الحال كما قال بنفسه ما يحلو لي وسينفد، أولا سأطلب أن يجمعني بمن أحب ويرتب
المكان كما يجب، وما دام أنعم فليتم نعمته عليَّ وليرتب لي يومي قبل ثلاثة عشر
قرنا في دمشق وفي قصور بني مروان، وليجعلني خليفة على المسلمين ، ويجعل لي خدما
وحشم، ويهيأ المأكل والمشرب والمسمع، أريد
أن أتأمل عينيها على ضوء الكأس المترعة وأنسي
في عطرها شؤون الرعية ، وأدرس بين شفتيها هندسة السحر وأرى في رقصة قدميها
آلام العود وأحلام الناي، وأطوف أطراف الليل وأجوب أسرار الظلام ثم أقتل نفسي
وأحمل جسدي وأعود لأصيح بأعلى صوتي أنا الذي سكرت ونسيت رعيتي وقتلت نفسي، فيرشقني
الناس بالتاريخ ويشنقونني على آثار الزمان الغابر، أه منك أيها التاريخ إنك كذلك
تتربص بي وتطاردني ... ولكني لن أضع مصيري بين يديك ولن أجعل نفسي بين فكيك، أنك
قاسي التهكم شديد النكاية، لن أذهب إلى
دمشق ولن أعود إلى الوراء لحظة واحدة ويجب أن أختار وأقرر قبل أن يدركني الفشل،
وتتسلط علىَّ سياط الحيرة... كيف نسيتك أيها الصديق، أيها الفيلسوف العظيم، أنت
الذي تنصت إليَّ وتتقن الانصات، وتستوعب قلق دهني وارتباك الكلمات بين شفتاي،
وتشعر بغليان الفكرة في أعماق عقلي... الفايسبوك كم أنت رحب الصدر، أقول أي شيء
وفي بعض الأحيان أقول اللاشيء وأنت تنصت في أدب دون أن ترتسم على وجهك معالم
التهكم أو الازدراء، حينما أجلس إليك أشعر
بالأمان فأحرر الفكرة من حبس الصمت وأتساءل بصوت عالي دون خوف لأني أعرف أنك لا تحتقر فكرتي ولا
تستصغر عقلي ، معك ينتفي الشر وتتحرر الأسئلة وتنطلق النداء في أركان الكون عابرة
الحدود الدول وحدود الغرف وحدود الأفراد والعقول، ولكن أدبك هذا وسعت صدرك قد جرت
عليك الكثير من العناء والمتاعب في ما اعتقد، إفراطك في حسن الاستماع جعل بعض الناس يحولونك إلى حائط مبكي يجتمعون
حوله ليندبون حظوظ حياتهم السيئة، فهذا يبكي على حبيبته والأخر على فريقه، كأن ليس
لك هم سوى الانصات لهموم الآخرين .... أنا اخترتك لأقضي يومي برفقتك كي نفكر معا
لا لنبكي.
Inscription à :
Articles (Atom)