في دنياه شمسان اثنان،
شمس تطلع بالنهار وتأفل باليل، وشمس أخرى أفلت ولن تطلع إلى أبد الآبدين وهو يتفجغ
عليها ويتمنى لو يستطيع أن يفتديها بالشمس التي تطلع وتأفل اتباعا، تسمى خولة وهي
أخت سيف الدولة علي الحمداني، وخولة هذه مهرة عربية أصيلة مكتملة الحسن والبهاء
عاشت في قصر أخيها سيف الدولة في حلب وتربت تربية الأميرات وتأدبت بآدابهن،
فتمازجت فيها المرأة العربية البدوية الصحراوية الأصيلة بالأميرة الرقيقة الرهيفة
التي اعتادت حياة الزهور والشرفات، وتجانست الطبيعتان في صبية جميلة بقلب بدوي
يهوى ويحفظ الشعر ويطرب لسماعه ويقوله إذا مسه الولع ويعشق إذا عشق حتى الموت،
سمعت شعر المتنبي في مجالس أخيها فأحبته وجعلت تتعقب قصائده وأبياته وتحفظها
وتترنم بها إذا خلت لنفسها أو إذا جالست صويحباتها، ولم نزل المتنبي ظيفا على قصر
أخيها وأقام عنده كان لها أن تراه وتسمع منه وتناظره في الشعر والأدب، فشغفها
وشغفته حبا ، وتغزل بها في الكثير من قصائده وشكى وتألم من حبها، ولكن لم يكن في
الإمكان أن يقبل سيف الدولة علي الحمداني بشاعر نزل قصره زوجا لأخته وهي على ما هي
عليه من أصالة الناسب ورفعة المنزلة وكمال المحاسن...
وكان ما كان بين المتنبي
وسيف الدولة من جفاء، فرحل المتنبي عنه لينزل على كافور الإخشيدي حاكم مصر أنذاك،
وكثرت الأقاويل والافتراءات في خولة فأبعدها أخوها عن قصره في حلب إلى ميافارقين
حيت ولدت، فلبثت أياما بها ثم ماتت كمدا على رحيل المتنبي عن حلب إلى مصر ورحيلها
عنها إلى ميافارقين، فكتب المتنبي قصيدة طويلة يبث حزنه ويصف فجيعته بحبيبته خولة
في صور شعرية تجعل القلب يحزن لخولة وإن كان بينه وبينها ما يرابي العشرة قرون من
االزمن، فتأملوا معي هذه الصورة الفريدة:
فَلَيْتَ طالِعَــةَ
الشّمْسَـــينِ غَائِـــبَــةٌ ^^ وَلَيتَ غائِبَةَ الشّمْسَـــينِ لم تَـغِبِ
وَلَيْتَ عَينَ التي آبَ
النّهارُ بــــــهَا ^^ فِداء عَينِ التي زَالَتْ وَلـــــم تَؤبِ
يتمنى المتنبي لو أن
طالعة الشمسين وهي شمس النهار غابت وتركت الدنيا تسبح في الظلام الدامس وأن شمسه
الغبائبة خولة لم تغب عن دنياه وأنها ظلت تشرق في عينيه إلى لا نهاية، ويصرح أنه
لو كان في مقدوره أن يفتدي شمسه خولة لافتداها بالشمس التي يؤوب بها النهار ويذهب
بها الليل رغم حاجة الدنيا بكل ما فيها إلى هذه الشمس .... ولكن هيهات أن تلتفت
المنايا للأمني