lundi 18 novembre 2013

غائبة الشمسين

في دنياه شمسان اثنان، شمس تطلع بالنهار وتأفل باليل، وشمس أخرى أفلت ولن تطلع إلى أبد الآبدين وهو يتفجغ عليها ويتمنى لو يستطيع أن يفتديها بالشمس التي تطلع وتأفل اتباعا، تسمى خولة وهي أخت سيف الدولة علي الحمداني، وخولة هذه مهرة عربية أصيلة مكتملة الحسن والبهاء عاشت في قصر أخيها سيف الدولة في حلب وتربت تربية الأميرات وتأدبت بآدابهن، فتمازجت فيها المرأة العربية البدوية الصحراوية الأصيلة بالأميرة الرقيقة الرهيفة التي اعتادت حياة الزهور والشرفات، وتجانست الطبيعتان في صبية جميلة بقلب بدوي يهوى ويحفظ الشعر ويطرب لسماعه ويقوله إذا مسه الولع ويعشق إذا عشق حتى الموت، سمعت شعر المتنبي في مجالس أخيها فأحبته وجعلت تتعقب قصائده وأبياته وتحفظها وتترنم بها إذا خلت لنفسها أو إذا جالست صويحباتها، ولم نزل المتنبي ظيفا على قصر أخيها وأقام عنده كان لها أن تراه وتسمع منه وتناظره في الشعر والأدب، فشغفها وشغفته حبا ، وتغزل بها في الكثير من قصائده وشكى وتألم من حبها، ولكن لم يكن في الإمكان أن يقبل سيف الدولة علي الحمداني بشاعر نزل قصره زوجا لأخته وهي على ما هي عليه من أصالة الناسب ورفعة المنزلة وكمال المحاسن...

وكان ما كان بين المتنبي وسيف الدولة من جفاء، فرحل المتنبي عنه لينزل على كافور الإخشيدي حاكم مصر أنذاك، وكثرت الأقاويل والافتراءات في خولة فأبعدها أخوها عن قصره في حلب إلى ميافارقين حيت ولدت، فلبثت أياما بها ثم ماتت كمدا على رحيل المتنبي عن حلب إلى مصر ورحيلها عنها إلى ميافارقين، فكتب المتنبي قصيدة طويلة يبث حزنه ويصف فجيعته بحبيبته خولة في صور شعرية تجعل القلب يحزن لخولة وإن كان بينه وبينها ما يرابي العشرة قرون من االزمن، فتأملوا معي هذه الصورة الفريدة:

فَلَيْتَ طالِعَــةَ الشّمْسَـــينِ غَائِـــبَــةٌ ^^ وَلَيتَ غائِبَةَ الشّمْسَـــينِ لم تَـغِبِ

وَلَيْتَ عَينَ التي آبَ النّهارُ بــــــهَا ^^ فِداء عَينِ التي زَالَتْ وَلـــــم تَؤبِ

يتمنى المتنبي لو أن طالعة الشمسين وهي شمس النهار غابت وتركت الدنيا تسبح في الظلام الدامس وأن شمسه الغبائبة خولة لم تغب عن دنياه وأنها ظلت تشرق في عينيه إلى لا نهاية، ويصرح أنه لو كان في مقدوره أن يفتدي شمسه خولة لافتداها بالشمس التي يؤوب بها النهار ويذهب بها الليل رغم حاجة الدنيا بكل ما فيها إلى هذه الشمس .... ولكن هيهات أن تلتفت المنايا للأمني


mardi 12 novembre 2013

الدودة

الدود نوعان، نوع يعيش في عناصر الطبيعية ونوع يعيش في الانسان،فأما النوع الأول فتعرفونه ولا شك أنكم رأيتموه بين الأعشاب وفي جدوع الأشجار وعاينتم ألوانه وحركته العجيبة، وأما النوع الثاني وهو موضوع درسنا لهذا اليوم فقليل من الناس يعرفونه وكثير منهم لا يعرفونه، وهؤلاء الذين يعرفونه لم يروه قط، وإنما يرون أفعاله ويتمثلونه في أدهانهم، وهو دود عجيب، يعيش متطفلا على الانسان، يختار أماكنه بدقة متناهية ويسكن فيها ويفرخ ويحيا هو وأولاده الصغار حياة عبث ولعب ولهو، وله هوايات مختلفة ومتنوعة ومتجددة تماشي متطلبات العصر، وقد يكون صغيرا جدا كما قد كبيرا جدا، والصغير جدا مشاغب كثير الحركة أما  الكبير جدا فهو دود كسول يحب الراحة والنوم ولا يتحرك إلاحين يستثار، ولكن حين يتحرك تكون حركته مروعة مهولة.
 وهذا الدود شرير للأسف، يستبب أمراض خطيرة يصعب  إن لم أقول يستحيل علاجها، ومما يزيد من خطورة شره أن الشخص الذي يعيش فيه الدود لا يعرف ذلك  ولا يمكن أن يعرف ذلك، إذ  يحرص هذا المجرم أن يخفي نفسه عن فريسته، ببراعة يستطيع أن يوهم الشخص الذي يتخد منه مسكنا ومصدر رزق أنه طبيعي كامل، ولو حدث أن قلت له إنك مريض عليك أعراض ملازمة الدود فادهب واكشف عن نفسك لا يصدقك بل ينتفض ويسارع إلى النفي.
وأعراض الدود  قد تكون أقوالا أو أفعالا أو ردود أفعال أو حركات، حسب حجم الدودة وميزاجها وحسب أنواع اللعب المفضل لديه، فالدود الصغير يعيش في الناس بأعداد كتيرة جدا وهو بطبيعته متوهج لا يعرف السكون يحب اللعب والنبش  ليل نهار فيسبب لصاحبه إيثارة حادة يصعب السيطرة عليها، فيفقد الرقابة على أقواله وأفعاله فتجده يثرثر في كل اتجاه ويحشر أنه في كل ضيق، أما الذوذ الكبير فهو دود كسول يحب الراحة والنوم ولا يتحرك إلا بمناسبات ولكن حين يتحرك يثير في صاحبه  ضجيجا وصخبا، فتراه يبح ينبح نباح الكلب أحيانا أو يعوي عواء الذئاب والثعالب أحيانا كما قد ينهق نهيق الحمير أو ينعق كما تفعل الغربان ...
وللدود هوايات كثيرة وأمزجة تصفوا وتتعكر ونفسيات تستوي وتعوج، ولكن هناك نوع ينتشر بسرعة مخيفة، وهو أخطر انواع الدود على الإطلاق، وأعراضه واضحة للعيان على الفايسبوك على شكل أوساخ عقلية وروحية، وهو ذلك النوع الذي يهوى أن يجعل صاحبه يتكلم كثيرا في الدين من غير علم، يصيب النساء والرجال معا، ولكنه يفظل النساء، ويصبح  فعالا مع النساء أكثر منه مع الرجال، وهذه الآفة جبنبنها الله وإياكم حين تنزل بالمرأة يتغمض عينيها وقلبها  نوع من الغرور يفقدها الرقابة عن نفسها، فتصبح فقيهة وعالمة تروي الحديث وتفتي في النوازل، فتجدها اليوم بنهاره وليله تنشر وتعلق وتدعوا وتتنطع وتترهبن، تفتي في كل شيء وتبدي رأيها في كل صغيرة وكبيرة كأنه الله وكلها خصيصا بنشرة الدعوة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويخيل إليها أشياء كثيرة، تشبه الأحلام ولكنها ليست أحلام، تشبه الهذيان ولكنها ليس هذيانا، هي غلو في تصديق النفس، هي متلازمة الدودة   .
وصاحبات هذا النوع الفتاك من الدود لا ينتبهن إلى أنفسن، لا يسائلن أنفسهن مسائلة حقيقية وإن خيل إليهن أنهن يفعلن ذلك،  ولو كان في مقدورهن أن يمحصن قليلا لعلمن أن الناس تتساءل من أين لهن بكل هذا الكم الهائل من العلم مع أنهم يقضين يومهن بنهاره وليله في الفايسبوك، من أين لهن بالوقت الذي يقرأن فيه الكتب التي يحدثوننا عنها، ومتى تتلين القرآن الذي تدعين الناس لتلاوته ؟؟؟؟
كثير من الرجال مصابين بهذا الوباء ولكني سأتحدث إلى النساء، لأني أغير على النساء أكثر مما أغير على الرجال، ويحز في قلبي أن أرى هذا الدود يعشش في المرأة أكثر مما يحز في قلبي أن أراه يعشش في الرجل، ومن منطلق هذه الغيرة أوجه خطابي إلى النساء، إلى اللواتي لم يهاجمهن الدود بعد، أما اللواتي عشش فيهن وكون مماليك ومستعمرات فلن أتحدث إليهن، لأن الحديث أسلوب راق لا يليق بانحطاطهن، ولأنه لن يجدي نفعا مع مفعول حركة الديدان الشقية الذي يرفعهن في سماوات الغرور كالدخان، وإنما يليق وينفع معهن الصفع والبصق والسب والشتم وأنا أرفع نفسي عن هذه الأساليب جميعا، إدن فاسمعن أيتها البريئات الطيبات المحتشمات الخجولات المتزينات بالصمت اسمعنني أقول لكن حافظن على حشمتكن بالصمت إن كثرة الكلام تغري الديدان.
........................................ وتأكدن من حسن نيتي في النصح !!

lundi 4 novembre 2013

صغيرتي الحلوة




حبيبتي الصغيرة ...إن العين تتطلع إليك والقلب يطلب اللجوء فكوني كما تعودتي أن تكوني عشا ذافئا يوم تعزف العاصفة، والفؤاد يصبو إليك يريد السلام فخديه برفق على رحتيك.....
أعود بعد زمن من الشرود والضياع في تمثيليات وصور مزيفة، أعود  والحصرة تطبق قبضتها على الروح...
لطالما قاومت وطردتك من دهني كلما حاولت النفاذ إليه، ومنعت عن نفسي زيارة الماضي وأغلقت كتابه وجعلته بعيد عن متناول الذاكرة، وكبحت جماح الوجد وقلت ستصبح أيها الجرح هيكلا قديما في متحف الذكريات، ودخلت برزخ الوحدة، لكن سدا ذهب سهاد ليال سرمدية الأ لوان وآلت نهايتي إلى فشل قاس لذيذ جميل، وأسرعت إلى الماضي أنفض  عليه غبار الجفوة لأتصفح حديثك الحلو وأتذوق تلك النبرة الأصلية وأنا شوق على شوق وندم على ندم ...
صغيرتي الشقية..... فلنفتح فصلا جديدا! أعترف أني  أخطأت يوم ركبني الغضب وقبلت التحدي..كانت دعابة وحب وعناد ....دخلت اللعبة بقلب طفل، طفل شرير بريئ، عبثت بنا أنامل العناد كما شاء لها هواها واستدرجنا الكبرياء الى موت الفراق، ولم نكن  وقتها قد جربنا الموت، فلم يشفع لنا  الندم  ولا رحمتنا الحصرة، غاب  النور، يا للأسف غطانا ظل، لبدنا البرد، حينها فقط تهيأت لي قيمة الشعاع الدافئ  ... 
لم يتجلى لي أنك لطف يحتاج الى لطف، أخطأت  يوم حملت حقيبتي أودع وطن شممت عطرصباه، فلا أملك اليوم إلا أن أقول سحقا للزمان الغادر الذي سارع الى سجن عفوان الصبا الجميل وراء ماضي يبتعد كل يوم !!! سحقا للعناد الذي يقف بين كلماتنا ويمنعها أن تمتزج وتتفاعل وتتشاغب كما كانت وينفيها بعيدا عن بعضها، سحقا للخوطر، للوساويس التي زينت لنا قبح الإنتحار على حبل الفراق..
ولآن يا صغيرتي المشاغبة....كما احتجتك دائما، أحتاجك وطنا فمانحيني الجنسية واكتبي عليها عاد من المنفى، عاد إلي، عاد إلى نفسه ...
 تقادفتني الأشواق والسعادات العابرة والهموم والأحزان، سرت عبثا لعشوئية الأيام  فدعيني أرسو إليك، دعيني أعلق عليك حياتي، تلقفيني بلطف فقد  تشققت أضلاعي من فعل الفراغ، احميني من الصمت لقد توقفت له نبضات قلبي.
 حتى في مخيلتي هذه النظرة الفاترة يا صغيرة؟؟ بالله عليك تفضلي بلحظة أنعم فيها بحلم جميل !! لما لا تبتسمين؟؟ لما لا أرى المودة في عينيك حين أسبح في تعابريهما، لما لا أرى شرفات الرقة في إسدالة أهدبهما ؟؟ لما لا أسمع تلك المعزوفة الشهية الطبيعية حين أرمي لك كلمة شقية ؟؟ لما تغير دوق شفتيك؟ حتى حين أغمض عيني لأتذوق الرحيق يقطر كلمات من شفتيك أشعر أن العسل بارد، أثلجه العتاب....!!!
وردة حياتي المتفتحة.... أستحلفك بكل ما آمن به العشاق وأجعل بيني وبينك مواثيق الحماق أن تعودي، أن ترقصي في خيالي يا أميرتي كاما كنت ! عودي، اسرحي في خيايلي، العبي في بديهتي كما لعبت، حرريني .. خلصيني... سامحيني .... ابتسمي