mercredi 3 juillet 2013

زيف



 الأحد .. االعاشرة ... في المقصف أشرب حليب الصباح.. وأسير بعيني على الوجوه وأرفع يدي أرد تحيات الأحباء من حين إلى حين، هادء أستلذ الفراغ، وأتحاشى التفكير إلا في نهاية تلك المسرحية الجميلة لتوفيق الحكيم التي قرأت بعضها آخر الليل ولم أنهيها... وكنت قد عزمت أن أعيش يومي هذا جميلا، لا أقول إلا جميلا، ولا أفعل جميلا، ولا أفكر إلا جميلا، وإذا أنا أفكر في شيء جميل أفعله إذ بطالبين يجلسان إلى مائدة على مقربة مني، خلفي، لم أراهما،  ولم يكن قد سبق لي أن  سمعت صوتيهما، كان يصيبان فطورهما مثلي وكانا يتحدثان:
ـ كيف تفسر ما يحدث في العالم العربي ؟؟؟  ..
فصلت بين السؤال والجواب لحظة من الصمت، ربما كانت فسحة هضم خلالها المخاطب السؤال أو ربما كان فمه ملآن، تنحنح قليل وتكلم بصوت شاب:
ـ لست بمن له دراية واسعة بالعلوم  السياسية  أو الضليع في تارييخ تطورالمجتمعات والشعوب كي أقرء بوضوح ما تعيشه الشعوب العربية وأفك شفرة هذه الطفرة الغريبة ،ولا بذلك الغافل  الذي يعيش حياته بعيدا عن عصره وخارج دائرة أحداثه... اعتبر ما أقوله رأي طالب كباقي طلاب المغرب لا يعرف عن السياسة والسياسين إلا  ما تناقلته القنوات وما تعج به أعمدة الصحافة أو اعتبره رأي محلل يخضع تفاصيل محيطه  لسلطان منطقه الخاص،وقل عنه ما شئت وفي جميع الحالات أنت مصيب ومخطئ .....
ـ كن جاد ولو لمرة طول حياتك وتكلم في الموضوع كما يليق بحساسيته....
 ـ إسمع!! نحن في محيط من الظلام ، لكن هذا الظلام ليس كظلام غرفتك عند إنطفاء المصباح يحلو تحت غشاوته  النوم وتولد فيه سكونه  الأحلام ، أو كظلام الليل في القرية يطيب في هوائه الملطف السمروالسهر والسفر والتأمل، ذلك الظلام الذي يخيم على الدنيا كهالة من المعاني المبهمة الغامضة  تبعث عن الراحة والسعادة واللا نهاية  .....هذا ظلام ترى فيه   الأشياء  ولا ترى منها  إلا اللاّ شيء، كل شئ واضح لعينيك ولاكن ليس لعقلك ولا لقلبك، كل الصور متداخلة ... متغيرة ....متحركة ...فما إن تركز بصرك على صورة لتقرأ تقاسيمها حتى تجد نفسك تحملق في صورة أخرى، فما إن تصحو من دهشتك حتى تجد نفسك أمام صورة ثالثة لا تشبه سابقتيها إلا في الغرابة،  والحقيقة كل تلك الصور  لنفس الشئ، رغم أنها تبدوا على غير شبه يجمعها ببعضها، تعكس حقيقة واحدة :الزيف ....زيف مقيت مخيف مهلوس، من هتف البارحة إلى جانب النظام يهتف الآن الى جانب الثورة، ومن قبل يد الرئيس أونعله وهتف لحياته يحرق صوره في الساحات ويهتف لموته، تبخرت تيارات وتصاعدت من دخانها تيارات تقول عنها ما لم يقله عدو في عدو ولا خصم في خصم ....الأحداث تسير بسرعة مجنونة، والناس تتغير بسرعة مجنونة، أنظمة تسقط، أنظمة تصعد، شعوب تثور وتتحرك ضد ماضيها  ،شعوب تقمع وتسكت وتتفرج على نفسها، قناة تبارك الثورات وقناة أخرى تصفها بالبلطجية واللاّ قانون، شيخ يفتي بقتل الزعيم أو يطالبه بالتنحي وآخر ينادي الشعوب بالعودة الى الرشد......أين الصواب من هذا كله ؟؟ كل هذا صواب وحق وكله  هذيان وباطل !!! لا أحد يعرف قانونا يحكم الأحداث، فيفهم من خلاله بواعثها، ويفهم وقود هذه الحركة الحثيثة، يعرف بدايتها ونهايتها  .... هذه الحركة لا تخضع لمنطق ولا تستسلم لعقل، مهما  قلت عنها يبقى قولك مجرد قول  في محيط من الأقاويل، قد تصادف في الصباح من سافرت به الأحلام الى ما بعد الثورة فوجد كل أحلام الثورة قد  تحققت وبكل تفاصيلها: العدالة الإجتماعية ،الديموقراطية ،المساواة أمام القانون،إنتخابات شفافة ونزيهة ....ووجد  نفسه مواطنا كامل المواطنة، صاحب عمل محترم وراتب محترم، زوجة جميلة محبة، طفل كالبدر في عمرالثلاث سنوات  وطفلة كالياسمنة في عمر السنة يأثثان البيت، ويملآن حديقته بهجة وحياة ....فيمجد  الثورة ويضفي عليها من النبل والقداسة...وفي عشية نفس  اليوم تصادف نفس الشخص وقد أخد نفسه مأخد  الشك والتوجس ـ بعدما تذكر أن هؤلاء الذين ملؤوا الدنيا خساسة هم بشر من جنس هؤلاء الذين يهتفون في الساحات ـ وصار يرتاب  من كل البشر بل ومن نفسه......أليس الأندال من رحم هذه الأرض ؟؟ ألم يغدق عليهم ثدي هذا الوطن لسنوات طويلة حليب الحياة ؟؟ هم كذلك نعم !! لكن بالإضافة هم أنذال وأوغاد وخونة ....لكن لمذا هم خونة وأوغاد؟؟ لا جواب يسد رمق هذا السؤال !! من يضمن لنا أن ليس فينا من سيدوس على الثورة ليصل إلى الثروة ؟ ربما تكون الأن ظروف جديدة ومعطيات جديدة، ربما تكون شعوبنا العربية قد فهمت أن قوتها منها وليس من حكامها، وهي الآن مستعدة  للنزول إلى الشارع كلما دعت الظروف الى دلك، ولكن تبقى ربما .. الأمر مخيف حقا بل مرهب وممرض..علينا التريث قبل المجازفة ..نحن في دوامة من الزيف،الحياة غامضة وغريبة ولطيفة ومخيفة ... الحياة تناقض ....الحياة موت سئ...منطق الحياة أكثر تعقيدا من نفس الإنسان ....   يتجاوز حد  العقل بل يسخرمن تفاهته.... نحن ....بيادق تحركنا أنامل ماكرة وشريرة خفية ...ربما كانت أنامل الساسة...أو ربما هم كذاك في الأمر ...مجرد بيادق ...  
ـ ومذا نفعل إذا؟
ـ لا نفعل شئ....ننتظر
ـ مذا ننتظر؟
ـ ننتظر أن يفعل بنا شئ أو يفعل بنا لا شئ ...أو يأتي الشعاع المنير الذي ينقذنا من هذه العتمة
ـ وهل أنت متأكد أنك مصيب لما تقول أن هذه عتمة
ـ لا ...على الإطلاق ..في بعض الأحيان أقول ربما الحق هو ما أعتقد وأحس أنه حق لكن سرعان ما أطرد هذه الفكرة من ذهني عندما أتذكر أن ما يبدوا لي حقا يبدوا لغيري غير ذلك ....ربما هذا امتحان لنا ...لا توجد حقيقة مطلقة لكن قف دائما من ما يبدوا لك حقا ....
ـ ومع من تقف ؟
ـ أقف جانبا وأراقب الأحداث ... أبحث عن النور....لا أدري ...لست متأكدا....
سادت دقائق صمت، ثم سأل الصوت الذي سأل في البداية :
ـ فيما تفكر ؟؟؟
ـ أفكر فيها ... حبيبتي، تلك الظبية المهفهة الظريفة، تلك التي تذبحني كل يوم وتعلقني على حبال المسلخة .. آه من ذلك الجمال المخيف!!
ـ حقا .... منطق الحياة معقد...
 وضحكا معا ...
و أحسست حركة خلفي .. خرجا .. منحتهم وقت الوصول الى الباب وشربت ما تبقى في كأسي الحليب جرعة واحدة ونهضت في إثرهم .. الكثير من الطلبة في الخارج لا أستطيع تمييزهم..لقد زافوا

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire