lundi 1 juillet 2013

قطعة زجاج

ربما البارحة أو ربما ما قبل البارحة أو ربما على بعد ثلاثة أيام كنت أصيب عشائي في مطعم المعهد، وبالصدفة كنت وحدي، وإلى جواري طالبين من طلبة المعهد أعرفهما عن بعد، كانا يتناولان طبقيهما في صمت وملل كأنما يجبران على ذلك جبرا، وكنت أراقب فتور ملامحهما وأقول لو اختلقا موضوعا يخوضان فيه لنسيا به مذاق الطبق البئيس وحررا نفسيهما من هذا الفتور الذي يتبدى على وحطوط وجهيهما كطلاء بيت القديم، وأنا بطبيعتي رجل حار لا أرتاح إلى في جلسة ساخة تفيض من حوافها، فانتباني نوع من الشعور السيء اتجاههما، وتساءلت ما الذي جعلهما منهكي الروح هكذا كحمارين متعبين، وبينما أنا أراقب وأفكر إذ بالدي يقابلني من الجهة الأخرى من الصف وضع كسرة الخبز من يده وأخد الفرشة وجعل يفحص بها طبقه فحصا دقيقا في مكان واحد، وتبين من حركته أنه وجد شيئا ما في الطبق، فوضع الفرشة وأخد ذلك الشيء بين أصبعيه ورفعه إلى مستوى وجهه وحرك فيه عينين ناعستين ثم قال في هدوء يحسد عليه:
ـ زجاجة
فرد صاحبه وقد أوقف يمناه تحمل كسرة الخبز وما تحمل من معجون البدنجان في منتصف المسافة بين صحنه والفمه، وبهدوء غريب  وبنبرة بالكاد تشم فيها رائحة السؤال :  
ـ زجاجة ...؟
فهز الأول رأسا ثقيلة بالإيجاب ثم مد يده بالزجاجة إلى صاحبه، فسارع الآخر إلى دس اللقمة التي كانت تنتظر في يمناه في فم كسول، وأخد الزجاجة بين أصبعين وحدق فيها وقال في كسل:
ـ نعم زجاجة
ثم وضعها على جانب من صينيته، وأخد رغيف الخبز وقطع منه شريحة واسعة وجعل يجيلها في قعر الصحن ويدس في بطنها عجينة البدنجان المزيت ثم حملها إلى فمه، وهكذا كان يصنع الأول...
وكنت أراقب لا أعرف من أمري  شيئا، وتسارع دم حار في عروقي، وانتابتني ثورة عارمة ونازعتني رغبة عنيفة أن أقوم إليهما وأصفع وجهيهما بصحني وما فيه فلم أكبح جماحها إلا بعد جهد جهيد، وكان من الضروري أن أغادر المكان قبل أن أقوم بحركة أجد  نفسي بعدها في قفص الاتهام، وقبل أن أتحرك حرك صاحب الزجاجة عينين مطمئنتين نحو صاحبه ودار بينهما هذا الحديث:
ـ كدت أن آكلها ...
ـ   نعم
ـ ماذا كان سيحصل لي ...؟
ـ  هناك حالتين...
ـ الحالة الأولي ...؟؟
ـ  الحالة الأولى أن يقع عليها فكيك، فتكسر لك ضرس أو ضرسين أو ثلاثة أو أكثر، ويسيل الدم وتسبب لك ألما فضيع تكاد تفقد معه روحك، ناهيك عن ذلك الشعور المقزز الذي سينتشر في أعصابك كالصاعقة وأنت تسحق قطعة الزجاج بين أضراسك فتصدر ذلك الصوت الرهيب المقزز الذي ينطلق منها ويسري في عروقك كسرب من الإبر ....
ـ الحالة الثانية ....؟؟؟
ـ الحالة الثانية أن تمر الزجاجة دون أن تقع عليها أضراسك فتبلعها، فستنزل في حنجرتك ترسم جرحا طويلا كالمستقيم فتسبب لك ألما لن تقوى على تحمله، ثم تستقر  فتسبب لك ألما أفضع فتهرع إلى الطبيب فيخرجها من بظبك بعد عملية تكاد تودي بحياتك ....
وعادا لصحنيهما يأكلان في هدوء .....
وقمت إلى حالي سبيلي ولم أنل من عشائي إلا قليلا، أتحرق لفهم كيف تصير النفوس باردة بليدة، وبي رغبة أن أسب وألعن وأشتم هاءلاء الموتى الأحياء .....
فإذا كان اليل خرجت إلى العشب الأخضر، جلست أستمع للصراصير وهفهفة النسيم وأفكر  فوجدت نفسي أغبطهما على ذلك الإيمان، تلك الطمأنينة، نعم .. لا شيء يستحق، لا شيء في هذه الحياة يستحق أن ترف له العين اهتماما، لسنا مهمين، حياتنا ليست مهمة، وجودنا ليس مهما، غيابنا ليس مهما، سعادتنا ليست مهمة، حزنانا ليس مهما، جرحنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ليس مهما ... ليس مهما 
لا شيء يستحـــــــــــــــــــــــــــق ........
لا شـــــــــــــــــــــيء .....
لا شـــــــيء ...

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire