jeudi 25 juillet 2013

رحيل الصديق


قبّل الأسوار، قبّل الأشجار، تمرغ في العشب الأخطر، واملأ رأتاك من هذا الهواء المخثر، واملأ عيناك من ضياء القمر، وارسم في مخيلتك هذا الصديق يسير إلى جانك وسجل إقاع خطواته المتواتر المريح، سجل صوته يحدثك عن حبيباته شعرا، يشوقك يرهفك يدفئك يغمرك يغرقك يرفعك يطير بك يلهمك  يحطك فيضجر يشاغبك يجادلك  تحلما حلما تبنيا عالما تسكنا جنانا تسعدا تنسيا وتعودا معا وقد كشفكما الصباح بعد أن تضربا موعدا للقاء إذا كان الهزيع الأخير من اليل ... اليلة القادمة
بعد هذه الليلة ليس هناك ليل، بعد هذه اليلة لن يكون لقاء، ودع لليل، ودع القمر، ودع السمر، ودع شعرك ونثرك وكلامك ... ودع نفسك، وودع هذا صديقك المرن الخفيف المتعب بالأحلام ، واذهب  لتنام نهارك جله، حتى تتأكد أنه جمع حقائبه ورحل، هكذا تحسن إلى نفسك وتحسن إليه، ترحه من تراتيل  الوداع الحزينة وتجنب نفسك تلك النظرة المتوسلة اليائسة تلاحق سيارة الأجرة حين تنطلق وتمعن في البعد...
كيف سيكون طريق العودة إذا غاب الصديق
كيف سيكون إيقاع الخطوات
كيف ستكون المشاور
كيف ستكون المجالس
وكيف سيكون مذاق الشاي
هل سيبقى الشعر شعرا
هل سيكون  عذاب الحب لذيذا كما كان
حين كنت تنأى به في الليل لتحكي
لا ...
فاملأ روحك منه
انحته على صخور الذاكرة
خذ قبسا من ابتسامته الودودة الماكرة 
خد نفسا من آهته الساحرة
ولا تقل وداعا
فقط إذهب ونم إلى أن تتأكد
أنه جمع حقائبه ورحل
وودع شعرك ونثرك وكلامك ... ودع نفسك 
                                              إلى ذاكرة الصاحب أحمد شام 

dimanche 7 juillet 2013

الحب والبقر



ربما لأني قروي فإني أحب البقر، هو حب قديم، من الطفولة الأولى، كنت صغيرا أستيقظ على الساعة السادسة صباحا فأتوجه إلى أمي تحلب البقرة، بقرتنا الحلوب، كانت بقرة أصيلة، نقية اللون رهيفة الحاشية، طولة القوائم بعيدة وخد الخطوى متينة الوقع، لها جسم بين البدين والهزيل متماسك يتنقل في حركة قوية مركزة، تعلوه رأس وفيرة مرفوعة كالقلعة، ووجه واضح تدورت فيه عينان واسعتان صافيتان تميلان إلى الخضرة كسولتين مستريحتين مريحتين، وارتسم عليه أنف دقيق المنحنيات وفم رفيع الأجزاء، كنت أجلس إلى جانب من أمي أتأمل ذلك التجاوب الطبيعي بينهما وأنصت لصوت الحليب يرغي في الإناء  حين ينزل، فإذا حصل لأمي من الحليب ما يكفي قامت إلى البقرة الكريمة وأمرّت يدها على ظهرها مرّا حنونا ثم إلى عنقها فرسها فتمد البقرة عنقها وتميل مع حركت اليد هكذا وهكذا في تجاوب مطلق، وأنا أرقب وأتشرب ذلك الحب النظيف، فإذا انتهى ذلك الطقس الصوفي الرفيع التفت إلي أمي وأفرغت لي كوبا كبيرا من الحليب الطازج  أشربه على مضد، ثم تعبئ لي نصف لتر آخده معي الى المدرسة أشربه إذا نالني العطش أو الجوع في الطريق، ولهذا كانت علاقتي  بالبقر علاقة طيبة، ليست مجرد علاقة إنسان بحيوان أليف، أكثر من ذلك بكثير، إنها علاقة روح بروح، وعلاقة قلب بقلب،إنه عرفان طبيعي، وحب دافئ نقي، انجداب تلقائي.
 فعندما أرى بقرة أجد في نفسي نوع من الأمان والراحة ورغبة في اللقاء والتواصل، وليس في الدنيا أحب إلى نفسي من أن أقدم لبقرة  قبضة حشيش من يدي إلى فمها فتأكل منها في حب وترفع عينيها إلي بالشكر والمودة كأنما تقول سأصنع لك حليبا لذيذا تشربه بحب كما أطعمتني هذا الحشيش اللذيذ آكله بحب، وسرى في قلبي حب البقر وصار يصبغ أذواقي في كل شيء دون أن أشعر، في كل شيء، حتى من النساء أحب ما شابه البقر و جمع بعض أوصافه....

mercredi 3 juillet 2013

زيف



 الأحد .. االعاشرة ... في المقصف أشرب حليب الصباح.. وأسير بعيني على الوجوه وأرفع يدي أرد تحيات الأحباء من حين إلى حين، هادء أستلذ الفراغ، وأتحاشى التفكير إلا في نهاية تلك المسرحية الجميلة لتوفيق الحكيم التي قرأت بعضها آخر الليل ولم أنهيها... وكنت قد عزمت أن أعيش يومي هذا جميلا، لا أقول إلا جميلا، ولا أفعل جميلا، ولا أفكر إلا جميلا، وإذا أنا أفكر في شيء جميل أفعله إذ بطالبين يجلسان إلى مائدة على مقربة مني، خلفي، لم أراهما،  ولم يكن قد سبق لي أن  سمعت صوتيهما، كان يصيبان فطورهما مثلي وكانا يتحدثان:
ـ كيف تفسر ما يحدث في العالم العربي ؟؟؟  ..
فصلت بين السؤال والجواب لحظة من الصمت، ربما كانت فسحة هضم خلالها المخاطب السؤال أو ربما كان فمه ملآن، تنحنح قليل وتكلم بصوت شاب:
ـ لست بمن له دراية واسعة بالعلوم  السياسية  أو الضليع في تارييخ تطورالمجتمعات والشعوب كي أقرء بوضوح ما تعيشه الشعوب العربية وأفك شفرة هذه الطفرة الغريبة ،ولا بذلك الغافل  الذي يعيش حياته بعيدا عن عصره وخارج دائرة أحداثه... اعتبر ما أقوله رأي طالب كباقي طلاب المغرب لا يعرف عن السياسة والسياسين إلا  ما تناقلته القنوات وما تعج به أعمدة الصحافة أو اعتبره رأي محلل يخضع تفاصيل محيطه  لسلطان منطقه الخاص،وقل عنه ما شئت وفي جميع الحالات أنت مصيب ومخطئ .....
ـ كن جاد ولو لمرة طول حياتك وتكلم في الموضوع كما يليق بحساسيته....
 ـ إسمع!! نحن في محيط من الظلام ، لكن هذا الظلام ليس كظلام غرفتك عند إنطفاء المصباح يحلو تحت غشاوته  النوم وتولد فيه سكونه  الأحلام ، أو كظلام الليل في القرية يطيب في هوائه الملطف السمروالسهر والسفر والتأمل، ذلك الظلام الذي يخيم على الدنيا كهالة من المعاني المبهمة الغامضة  تبعث عن الراحة والسعادة واللا نهاية  .....هذا ظلام ترى فيه   الأشياء  ولا ترى منها  إلا اللاّ شيء، كل شئ واضح لعينيك ولاكن ليس لعقلك ولا لقلبك، كل الصور متداخلة ... متغيرة ....متحركة ...فما إن تركز بصرك على صورة لتقرأ تقاسيمها حتى تجد نفسك تحملق في صورة أخرى، فما إن تصحو من دهشتك حتى تجد نفسك أمام صورة ثالثة لا تشبه سابقتيها إلا في الغرابة،  والحقيقة كل تلك الصور  لنفس الشئ، رغم أنها تبدوا على غير شبه يجمعها ببعضها، تعكس حقيقة واحدة :الزيف ....زيف مقيت مخيف مهلوس، من هتف البارحة إلى جانب النظام يهتف الآن الى جانب الثورة، ومن قبل يد الرئيس أونعله وهتف لحياته يحرق صوره في الساحات ويهتف لموته، تبخرت تيارات وتصاعدت من دخانها تيارات تقول عنها ما لم يقله عدو في عدو ولا خصم في خصم ....الأحداث تسير بسرعة مجنونة، والناس تتغير بسرعة مجنونة، أنظمة تسقط، أنظمة تصعد، شعوب تثور وتتحرك ضد ماضيها  ،شعوب تقمع وتسكت وتتفرج على نفسها، قناة تبارك الثورات وقناة أخرى تصفها بالبلطجية واللاّ قانون، شيخ يفتي بقتل الزعيم أو يطالبه بالتنحي وآخر ينادي الشعوب بالعودة الى الرشد......أين الصواب من هذا كله ؟؟ كل هذا صواب وحق وكله  هذيان وباطل !!! لا أحد يعرف قانونا يحكم الأحداث، فيفهم من خلاله بواعثها، ويفهم وقود هذه الحركة الحثيثة، يعرف بدايتها ونهايتها  .... هذه الحركة لا تخضع لمنطق ولا تستسلم لعقل، مهما  قلت عنها يبقى قولك مجرد قول  في محيط من الأقاويل، قد تصادف في الصباح من سافرت به الأحلام الى ما بعد الثورة فوجد كل أحلام الثورة قد  تحققت وبكل تفاصيلها: العدالة الإجتماعية ،الديموقراطية ،المساواة أمام القانون،إنتخابات شفافة ونزيهة ....ووجد  نفسه مواطنا كامل المواطنة، صاحب عمل محترم وراتب محترم، زوجة جميلة محبة، طفل كالبدر في عمرالثلاث سنوات  وطفلة كالياسمنة في عمر السنة يأثثان البيت، ويملآن حديقته بهجة وحياة ....فيمجد  الثورة ويضفي عليها من النبل والقداسة...وفي عشية نفس  اليوم تصادف نفس الشخص وقد أخد نفسه مأخد  الشك والتوجس ـ بعدما تذكر أن هؤلاء الذين ملؤوا الدنيا خساسة هم بشر من جنس هؤلاء الذين يهتفون في الساحات ـ وصار يرتاب  من كل البشر بل ومن نفسه......أليس الأندال من رحم هذه الأرض ؟؟ ألم يغدق عليهم ثدي هذا الوطن لسنوات طويلة حليب الحياة ؟؟ هم كذلك نعم !! لكن بالإضافة هم أنذال وأوغاد وخونة ....لكن لمذا هم خونة وأوغاد؟؟ لا جواب يسد رمق هذا السؤال !! من يضمن لنا أن ليس فينا من سيدوس على الثورة ليصل إلى الثروة ؟ ربما تكون الأن ظروف جديدة ومعطيات جديدة، ربما تكون شعوبنا العربية قد فهمت أن قوتها منها وليس من حكامها، وهي الآن مستعدة  للنزول إلى الشارع كلما دعت الظروف الى دلك، ولكن تبقى ربما .. الأمر مخيف حقا بل مرهب وممرض..علينا التريث قبل المجازفة ..نحن في دوامة من الزيف،الحياة غامضة وغريبة ولطيفة ومخيفة ... الحياة تناقض ....الحياة موت سئ...منطق الحياة أكثر تعقيدا من نفس الإنسان ....   يتجاوز حد  العقل بل يسخرمن تفاهته.... نحن ....بيادق تحركنا أنامل ماكرة وشريرة خفية ...ربما كانت أنامل الساسة...أو ربما هم كذاك في الأمر ...مجرد بيادق ...  
ـ ومذا نفعل إذا؟
ـ لا نفعل شئ....ننتظر
ـ مذا ننتظر؟
ـ ننتظر أن يفعل بنا شئ أو يفعل بنا لا شئ ...أو يأتي الشعاع المنير الذي ينقذنا من هذه العتمة
ـ وهل أنت متأكد أنك مصيب لما تقول أن هذه عتمة
ـ لا ...على الإطلاق ..في بعض الأحيان أقول ربما الحق هو ما أعتقد وأحس أنه حق لكن سرعان ما أطرد هذه الفكرة من ذهني عندما أتذكر أن ما يبدوا لي حقا يبدوا لغيري غير ذلك ....ربما هذا امتحان لنا ...لا توجد حقيقة مطلقة لكن قف دائما من ما يبدوا لك حقا ....
ـ ومع من تقف ؟
ـ أقف جانبا وأراقب الأحداث ... أبحث عن النور....لا أدري ...لست متأكدا....
سادت دقائق صمت، ثم سأل الصوت الذي سأل في البداية :
ـ فيما تفكر ؟؟؟
ـ أفكر فيها ... حبيبتي، تلك الظبية المهفهة الظريفة، تلك التي تذبحني كل يوم وتعلقني على حبال المسلخة .. آه من ذلك الجمال المخيف!!
ـ حقا .... منطق الحياة معقد...
 وضحكا معا ...
و أحسست حركة خلفي .. خرجا .. منحتهم وقت الوصول الى الباب وشربت ما تبقى في كأسي الحليب جرعة واحدة ونهضت في إثرهم .. الكثير من الطلبة في الخارج لا أستطيع تمييزهم..لقد زافوا