هذا حديث له ما يقارب أسبوعين من اللعمر،
كثمته عن الناس وجعلت أتحدث به إلى نفسي إذا خلوت إلىها في غرفتي فأضحك ساخرا ثارة
ويأخدني الضميربالتأنيب ثارة أخرى فأقطب وأكف نفسي عن السخرية، وأجزرها عن
الالتذاذ بما ابتلي به الناس، وآخدها بالجد وأروح في تفكير هادئ لوقت يقصر أو يطول
حتى ما إذا ألم بي شيطان الاستهتار من
جديد تمثلت المشهد فيتملكني الضحك فأستسلم استسلاما حتى إذا تعبت منه أخدني الندم وعدت إلى جزر نفسي عن هذا الاستهتار وعدت إلى
التأمل الهادئ، وما كنت أنوي البوح بهما يدور في خاطري، ولكن كثمانه أصبح محال،
يتردد على دهني في إذا سرت في الطرقات
العمومية وحيدا وفي إذا ما ارتدت المقاهي
منفردا فتمثل أمام عيني تلك الصور ويمثل أمام عيني أولائك الأشخاص فأجد نفسي
غارقا أفكر وأتأمل ثم يتطور التفكير الرسين
والتأمل الهادئ إلى حديث مسموع ثم إلى ضحكات تتعالى مرة وتنخفض مرة أخرى، ثم أجد نفسي
محاطا بنظرات مستغربة متعجبة وأنا غارق في حديثي أو في ضحكي لا أفقه من أمري شيئا، فألف ما حولي
في نظرات سريعة وأنطلق إلى حال سبيلي ملبدا في خجلي لا ألوي على شيء ...
قلت إنه حديث له أبوعين، والحقيقة أن هذا
الحديثث له أكثر من خمسة، حين جمعتنا أقدارنا عند باب المعهد وتبادلنا التحية
وتبادلنا تلك الأسئلة المبتذلة التي نستظهرها بمهارة كلما التقينا بصديق بعد
العطلة، وكانت في عينيه نظرة مشتعلة متحفزة لم أعهدها فيهما فسألته عن سر تلك الشعلة
البراقة وذلك النشاط الوهاج فقال وقد تهدج صوته:
ـ لقد مرت من هنا...
ونظر إلي في قلق كأنما وقعت عينه على كنز
ثمين يخاف أن تقع عيني عليه أنا أيضا
فأنافسه فيه، فاستطلعت المكان من حولي لعلي أفهم ولكني لم أظفر بشيء، كل شيء من
حولي كما عهدته ، هذا باب المعهد يكتض بالطلبة دخولا حينا وخروجا حينا وهذا الطريق
يكتض بالسيارات حينا ويخف حينا وهذا المركب التجاري في الجهة الأخرى من الطريق
يكتض بالمتسوقين حينا ويخف حينا وهذه السماء فوقنا تبتسم بشمس نهاية الصيف حينا وتتبرقع
بشظايا السحب البيطاء حينا، فما الذي راعه وما الذي أوقد في عينه تلك الشرارة هيج
في قلبه ذاك القلق، هكذا كنت أسأل نفسي حين سألني مستنكرا:
ـ ألم تراها ...؟؟
فقلت أستغرب هذا السؤال المبهم :
ـ من هي ....؟؟
فتهلل وجهه وعاد إلى توازنه المعهود وضحك
ضحكة مسرورة وقال:
ـ الحمد لله أنك أعمى وأتمنى أن يعمى الناس
جميعا...!!
ـ أنا أعمى !! يا للبشارة السعيدة، ولكني
أراك وأرى الناس من حولنا وخرجت ما غرفتي إلى هنا ولم يقدني أحد ولم ترشدني عصى.
ـ من لم يراها فهو أعمى ... أعمى القلب
...وإن كان بصير العين.
القلب إذا، أمري لله مع هذه القلوب، حياتنا
أصبحت لا تطاق مع هذه القلوب ولا أدري كيف نفهمها ولا كيف نفهم أهوائها الغريبة،
ولا ندري كيف نتخلص منها، وكيف نتخلص منها وكل الناس من حولنا لا يروون إلا قصهها
وغرائبها ولا يحدثون إلا حديث أوجاعها وأهوائها التي لا تسكن ولا تسكت، على اختلاف
أجناسهم وألونهم وأشكالهم وطبقاتهم وصناعاتهم يعشقون، يشتكون من أوجاع قلوبهم ويجتهدون
الاجتهاد كله لإرضائها ولكن هيهات، كل تعشق وتتعذب في العشق، الصغير والكبير الغني
والفقير والوسيم والبشع، الطفلة الصغيرة
والشابة اليافعة والسيدة اليائسة والعجوز الشمطاء كل يندب حضه مع العشق، لا أبقى الله العشق ولا أبقى
العشاق !! كم أتمنى أن أترك كل شيء وأركب قاربا وأخوض البحر فأرسوا على جزيرة ليس
فيها قلبا ولا عشقا فأعيش فيها طليقا كحصان أصيل أعدو من هضبة إلى هضبة ومن هضبة
إلى سهل فلا أعرف حبا ولا أحتاج قلبا، ومع هذا كله أحب أحاديث العشاق، أحب أن أسمع
منهم وأتمثل شخوص من يعشقون وأتمثل بهاءهم، أحب أن أغمض عيني حين أخلوا إلى نفسي
وأتمثل القصة كما يشاء خيالي، نعم أحب قصص العشق ولكن يساورني خوف منها، خوف رقيق
شفيف، إذا حدثني عاشق فأنا أخشى أن أرى
تلك التي يحدثني عنها وأتجنب أن أراها ما أستطعت، وإذا حدثني عاشقة فإني أخاف أن أرى
ذلك الذي يحدثني عنها وأتجنب أن أراها ما استطعت، نعم أخاف أن تتحطم تلك الصورة
الخلابة في دهني، ساورتني تلك المخاوف وأنا أقف أمامه أتفحصه في إعجاب غريب وأقول
في نفسي هذا أيضا يعشق !! وكنت ابتسم من داخل نفسي ساخرا من تعاسة الانسان وغبائه
... وسألته عنها وعن حاله مع قلبه فقال بنبره استعطاف:
ـ اترك هذا الحديث إلى حين آخر فلا طاقة لي
به الآن !
تركنا ذلك الحديث وخضنا في حديث آخر ولكنه لم
يظهر تحمسا وبدا ميالا إلى الصمت والتأمل فرفقت به واحترمت صمته وسرنا مشوارا في
صمت وعدناه صامتين، وعند باب المعهد تصافحنا فشد على يدي وقال:
ـ شكر على هذا الصمت الجميل !!
وذهب إلى حال سبيله وعدت إلى غرفتي ورحت أرتب
الكتب في الرف الخشبي الصغير وأصلح من شأن الغرفة في حركة غافلة غير مقصودة،
يكتنفني شعور غريب، شعور غامض يشبه السعادة ولكنه ليس سعادة صريحة أتبينها وتتبين
أسبابها، يشبه القلق ولكنهه ليس قلق صريح أتبينه وأتبين أسبابه، كأني في نفسي حاجة
لا أعرفها، أو كأنني أتوقع شيئا ولكني لا أعرف ذلك الشيئ على وجه التحديد ....
مرت أياما لم أراه خلالها إلا على مضض،
ولكن حديثه لن يخرج من دهني تماما، لا زلت تلك النظرة القلق في عينيه تخطر لي إذا
من حين إلى حين إذا أسلمت رأس للمخدة وأغمضت عيني طلبا للنوم أنذاك تزورني تلك
الصورة ويزورني ذلك الشغور الغامض فألتذ به ويسرح خيالي شيشا فشيئا، وبينا أنا أسكن
لتخدير النوم رويدا رويدا في تلك الليلة قبل أسبوعين سمعت
طرق خفيفا، وبينا أنا أسأل نفسي أكان طرقا أم شيئا يشبه الطرق تلبس أدني إذ بالباب
يدفع دفعا هينا وإذا بشبح وجهه يطل في حدر متلصصا وتفحص فارش رفيقي في الغرفة ثم
تحول إلى فراشي وقد ميزني فهزني من كتفي هزا لينا وقال بصوت خافت:
ـ قم .... أحتاجك.
ـ وأنا أحتاج النوم...
ـ قم قم ...
وخرج ينتظرني أمام الباب، فأصلحت من شأني
ولحقت به وكان يقطع الممر ذهابا وجيئة، فاستوقفته وقلت:
ـ أمرك سيدي ..!!
فابتسم ابتسامة فيها ألم يدارى وقال:
ـ اتبعني ...
وخرجنا يلفنا صمت الليل وعبق أنفاسه المشبعة
برائحة المحيط، كانت ليلة تصلح لقصة حب، قصة حب فيها عذاب وتعب ، فيها قلب يتعذب
عن بعد وفيها قلب لا يعرف شيء مما يدور حوله أو ربما يتعذب هو الآخرفي قصة أخرى،
قصة بطلها طالب شاب مكتمل الشباب، معتدل القامة قوي البنيان متين، متناسق قسمات الوجه
سوى أن أنفه كبير معقوف كمنقار النسر يتربع على وجهه كالقلعة، يبدوا مضحكا للوهلة
الأولى ولكن ما إن دققت النظر إليه تراه يتماشى مع ذلك الوجه تماشيا رائعا... كنا
نسير على سكة الطرام جنبا إلى جنب يتقدمنا أنفه كالقائد، فقلت له وقد بدأ يطول
صمتنا ويتقل:
ـ لا تخف ما صنعت بك الأشواق ^^^ واشرح هواك
فكلنا عشاق
فالتفت إلي في نوع من الاهتمام القلق وقال:
ـ شأشرح .. فأنا أحتاج لمن يحتاج يسمعني بقلب
مرهف كقلبك ...!!
يا للغرابة، من قال له أن لي قلبي مرهف؟ أهو
الحب يجعل العاشق يرى الناس بقلوب مرهفة كقلبه، وسار يحكي دون أن يمنحني وقتا
لأسأل نفسي هل قلبي مرهف حقا أم أن خياله هو الذي أرهفه، قال:
ـ هل تتدكر حديثنا في بداية السنة عند
الباب...
ـ نعم وبالتفصيل ..!!
ـ قبل أن نلتقي حينها بلحطات وقعت عيني على
فتاة تركت في نفسي أثرا بليغا، بعثت البهجة في كأبة السنة التي بدأت بدروس ثقيلة
تقهر االوح والبدن، عرفت حينها أن موقفي من هذه الفتاة لن يكن موقف العابر، سيكون
لها معي شأن آخر جديد لم يكن لأخرى قبلها ولن يكن لأخرى بعدها، شعرت اتجاهها
بانجداب لم يتركلي وقتا للتفكير كأنه حتمية تحددت مند الأزل، وانهال قلبي نحوها في
حنان ومنيت نفسي بسرور فردوسي لم يتححق على الأرض قبل، وسرت منذ ذلك الحين أرى
العالم برأية أخرى وبوضوح جديد لم أعهدهما ولم أكن لأتخيلهما حتى، أرى الحياة
بمعاني جديدة رائعة لم تكن تخطر لي على بال، كأنه كان بين قلبي وبين الحياة غشاوة
سميكة فأرسل الله ملاكا فتقها فتسربت الأشعة حارقة وعذبة في نفس الآن...شعرت بقلبي
لأول مرة وأحسست أنه جزء مني له كيان خاص وعالم واسع ليس له حدود فيه أهواء غريبة، وتمنيت أن أكرس حياتي لمتعته ولهذا
الحنان الذي يتفجر من بين أصلاعي كالينابيع، أذكرها في أعماق الليل وفي وحدتي وأعيش
معها في خيالي وتعيش في قلبي كأنها حمامة تطير من هذا الركن لتحط في الركن الآخر...
وتنهد من أعماق نفسه وهو يسير معي بجسم حاضر
وعقل عائب، ثم واصل:
ـ كلما ذكرتها هفت نفسي إلى تلك الحياة
الوادعة الحرة وكرهت هذه الحياة الجافة المكبلة، هفت نفسي إلى تلك الواحة الخطراء
النضرة الوحيدة في صحراء هذه الحياة القحلة...
اختلس عقلي حلم خفيف كلحظة
هناء هاربة من سلاسل الزمان، وتظافر صمت
الليل وهدوء الطريق والجو المفعم بضباب خفيف وصوته ذو البحة الرجولية الناضجة الذي
يتصاعد هادئا كالبخار من قرارة نفسه لتحيطني بإطار بديع من الهمسات والنسمات، وكان
ذلك خير هدية تقدمها الطبيعة في ساعة السلام، وانسقت وراء آهاته وكلماته في غفلة
عن العالم كله ثم خطر لي أن أسأله عن موقفها هي من هذا كله فقال:
ـ ربما لا ترعف شيء ويجب أن لا تعرف شيء يجب أن تفحتفظ بعفويتها
ووقارها الجميلين...ولكن ربما لاحظت أني أدور حولها كما يدور القمر حول الشمس،
فأنا أنتظرها في الصباح عند باب المقصف ليستقبلها قلبي بهزة تزلزل كياني ليومي كله
.
وعدت إلى خيالي، ورحت
أتساءل كيف تكون هذه التي خلقت دون أن تعلم هذا الكون من المشاعر النبيلة السامية
التي حولت هذا الصديق من طور الشاب المستهتر إلى هذا طور الفيلسوف المتصوف، ورفعته
من أديم أرض النزوات العابرة إلى سماء هذا الحب المسلائكي الطاهر، يا سبحان الله،
كيف تكون هذه المخلوقة التي خلقت هذا الرجل خلقا جديدا ليس فيه من ذلك المخلوق
القديم شيء قيل أو كثير، لا بد أنها هاربة من إحدى قصص ألف ليلة وليلة، وسرت
أصنعها في خيالي ولسبب ما فالحب مرتبط عندي بمنظر الأميرات...كانت تجري وراء
الفراشات على البساط الأخضر حيث تقام المحافل في المعهد في غفلة عن الدنيا جميعا
وفي عفوية طبيعية هي السلام في ذاته، تجري ناثرة وراءها سبيكة دهبية تتموج في
خيلاء فتهز القلوب على إيقاعاتها وتهز الأرواح النفوس، وتبتسم بفم مرسوم عن أسانان
كأنها عقد رتبته أنامل القدر بعناية بالغة، وقامة فارعة وقد نحيف رشيق ترفل في
فستان حريري، ووجه كامل الاستدارة قمحي اللون...
قضيت ما تبقى من المشوارفي
هذا الأحلام الرائعة، وعدت مثقل القلب والنفس، ولعني غبطته لهذه المشاعرة النبيلة
ولعلني تمنيت أن تأتي تلك التي تخلقني مثل هذا الخلق، ولعلني منيت نفسي بقرب الحلم
السعيد وللحظة التي أراها فأتبين ذلك السحر بنفسي، وخطر لي أن أسأله عنها إذا ما
التقينا غدا، ولكني لم أرتاح للفكرة وجاء الغد واستفقت على ما تبقى من مشاعر اليلة
الماضية ولكنها بدت بعيدة كأنما نفضت عن نفسي ضباب ذلك الحلم لأواصل حياتي بشكل
عادي، ورتبت نفسي وأخدت كراسة في يدي وقلما في جيبي وتوجهت إلى المطعم لأصيب فطوري
وكنت أنوي بعد الفطور أن أتوجه إلى الدرس ولكن قدر الله وما شاء فعل....
في المطعم وجته جالسا
يصيب فطوره وحيدا، جلست إلي مائدته وألقيت تحية الصباح فبادلنيها، ونلنا فطورنا تحت
ثقل رؤوسنا، ثم خرجنا في اتجاه الدرس وعند المقصف قال لي:
ـ سأنتظر هنا حتى
أراها ثم بعد ذلك أذهب ...
ـ إذا أراك فيما بعد
ـ لا تنتظر معي، حتى
لا يبدو وقوفي وحيدا هنا غريبا ...!!
ـ وهل وقوفنا معا
سيكون عاديا في هذا الصباح ....؟؟؟
ـ سنفتعل موضوعا نخوصص
فيه كأننا غافلين عما حولنا، ستمر الآن هذا موعدها ...
وتملكني فضول ليسى إلى
رده من سبيل، فأضهرت الرفض بطرف اللسان وأنا أحب أن يلح على ولو قليلا، ولم يخييب
ضني فأدعنت بادية السخط خافي الرضى، وقلت له في ضجر مصطنع:
ـ إفتعل لنا هذا
الموضوع .. حتى لا نصبح محطا للسخرية.
ـ لا طاقة لي
بالتفكير، الآن افتعله أنت..!!
ـ حسنا لنتخد هذا
السؤال أرضية للنقاش: ما الذي فعلته كي يسلطك الله علي في هذا الصباح ..؟؟
ـ ربما فعلت خيرا
عظيما فأراد أن يجازيك بأن تمرى الشمس أول مرة في حياتك ...!!
ـ أخاف أن تحرقني !!
ـ ذلك هو الجزاء
العظيم !!
ـ ربنا طهر قلوبنا
وقنا عذاب النار ...
وينما أنا ذاهب في
الكلام إذ أحسست منه ذهولا غريبا، فنظرت إلى إلى وجهه يستدير في حركة منتطمة يتبع
الطريق بعينين كأنهما جامدتين كالكلب يتبع قطعة اللحم في يد صاحبه، فلتفت قبل أن
أفكر....
قلت كنت ذاهب إلى
الدرس ولكن لم يعد في كياني قوة تسير بي إلى الدرس، ولم يعد في ديماغي بصيص من
التركيز يمكنني من تحمل قرف الأستاذ لساعتين، انقلبت على عقبي إلى غرفتي ونمت
وتمنيت أن لا أسيتيقظ أبدا، ولكني استيقظت على الساعة الثانية والنصف برأس ثقيلة
تكاد تنشقق من الألم وعقل غائب عن الدنيا وجسم محموم يكاد ينهار، يا لأسفي على
خيالي الرائع، صرت متأكدا أني فعلت شرا عظيما فعاقبني الله عقابا شديدا، كل تلك
الألوان والفنون لم تكن إلا في خيالي، انهارت الحقيقة أمام عيني كما ينهار البناء
العظيم تحت انفجار عظيم، وعادت النسبية من جديد تخيم على عالمي، ورحت أسأل نفسي هل
يمكن أن تكون هناك حققة ثابتة أم أن العالم كله أوهام كتلك الأوهام التي بنيتها
أنا في نفسي وكتلك الأوهام التي يعيش عليها هذا الطالب ألأعمى، حقا إنه أعمى، أعمى
العين والقلب والبصيرة، بل ما صار لدي شك في أنه معطل الحواس كلها، يا للهول، أهي
حاجته للحب هي التي صنعت تلك المثال البراق وألسقطته على تلك الفتاة، لم يحيرني أن
يحبها فهي تحستحق الحب بالطبع كما يستحقه كل انسان، تستحق حبا عاديا لا ألم فيه
ولا لذة كهذا الحب الدي يجمع بين شبان
وشابات العصر، فهي فتاة عادية، ليست قصيرة ولا طويلة، إلا أن جزئها السفلي أطول من
جزئها العلوي، وجزئها العلوي أضخم من جزئها السفلي، فساقيها لطولهما ونحولهما بدتا
في سروال من نوع جينز أقرب إلى ساقي اللقلاق إليهما من ساقي امرأة، وجزئها العلوي
لضخامته بدا أقرب إلى قنينة غاز منه إلى ألى بدن امرأة، تتفرع منه يدان استطاتا
لتنتهيا بأصابع رقيقة بدت مفاصلها كعقد في حبل، وعلته رأس مكورة كالبصلة يكسوها
شعر أصفر أملس ضعيف كأنما نقعت رأسها وعاء ماء يغلي، وبشرة صفراء لا يسري فيها
الدم كأنما تعيش كابوس متواصل وأنف مفرطح كأنما انكبت عليه يوم أتت للدنيا ... والغريب من
هذا كله أن مشيتها فيا لها من حركة غريبة لا أجد لغرابتها وصفا مريح، والأغرب
صوتها، والأغرب من هذين الأغربين غرابة اعتداده بنفسها فهي تحسب لها قدا معتدلا
رائعا وتحسب لها شعرا حريريا ناعما بل تتحسب
نفسها أكمل امرأة خلقها الله على الأرض ...
عندما أتمثل هذا كله
أجد نفيس في صراع محتدم مع نفسي، سراع أفضى بي إلى شيء لم أكن أحبه لنفسي، فأفضيت
لكم به لعي أتخفف منه ولعلي أجد عندكم بعض العزاء والسلوى عن خيالي وحلمي الجميل،
ولعلي أجد بينكم من يطمئنني أنه لن ينزل بي ما نزل بصاحبي....!!