dimanche 20 janvier 2013

حكاية التعليم في معهدنا


    هل سمعتم حكاية الصياد والذئب...؟؟ لا ... !! أنا سمعتها حكتها لي جدتي ، ذات يوم شتوي قارس البرد ماطر السماء، كنت بين دراعيها أستجدي الدفأ ملبدا أنفي في حضنها الحنون، وكان قد حان وقت النوم فهمت بتركي فاستبقيتها متوسلا وقلت: احكي لي حكاية قبل النوم كحكاية البارحة ...ارجوك يا جدتي ..أرجوك!! فأبت وتعذرت بتأخر الوقت فقلت مهددا: لن أقبلك في الصباح....!! وكنت أعتقد أنني إن لم أقبلها كل صباح ستموت هكذا كانوا يقولون لي أو هكذا كانوا يهمونني، فتظاهرت بالخوف وأذعنت لرغبتي وجلست عند رأسي وخللت أصابعها في شعر هكذا وهكذا وقالت: سألتك عن حكاية الذئب؟؟ والصياد فقلت :سيري لا تخافي، فقالت: كان يمكان حتى اكان الحبق والسوسان في حجر النبي العدنان حتى كان رجل من بدو الصحراء يعيش يرعى إبله ويتغدى من لبنها ويعقر منها لأضيافه من عابري الصحراء وصعاليكها وكان كريما كلما حل عيله ضيف عقر له ناقة أو حوار حتى لم يبقى معه من قطيعه إلا كلبه الصياد الذي كان يسميه واشقا وفرسه التي يركبها وكان يسميها حمامة فجعل يهيم في الصحراء من دون زاد ولا وذخيرة يأكل من صيده إذا حصل له صيدا ويبيت الطوى إذا خاب، وقد حان عليه حين من الدهر لم يصب شيئا من وحوش الصحراء وهوامها وقد أمضى أياما بليالها يطلب الصيب فلا يصيب من ذلك شيئا يذكر حتى تشقق بطنه من الجوع وتيقن من الهلاك فقال لنفسه الرزق مكتوب والعمر محسوب فلما أكابد وعتاء الصحراء فيأتي الرزق أو ليأتي الموت وإذا هو على هذه الحال يناجي نفسه وفرسه وكلبه ويتأمل سوفيه وقوسه إذ بظبية من ضباء الصحراء سمينة قد اتخذت لحما واكتنزت شحما عنت له من بعيد فنهض من فوره وتأهب وتربص ثم همس بأدن فرسه: هذا يومك يا حمامة، دونك والظبية لا تتوقفي حتي تدركيها .. وضاح بكلبه بواشقا هاااا .... فانطلقت الفرس تطوى الصحراء كأنها عاصفة هوجاء وانطلق واشق يسابق الظبية كأنه طيف من خيال وجالوا بالظبية جولة ثم داروا دورة وصالوا صولة ... والبدوي متشبث بعرف فرسه كأنه كالعفريت يصبح بكلبه هآآآآآ وصالوا في الصحراء بعييييييدا بعييييييييدا بعييييييييييدا ........... هذا كل ما تذكرت من قصة جدتي واستيقظت على يدها الدافئة الحنونة تضغضغ صدري في الصباح فقمت مهرولا وقبلتها كي تبقى حية ترزق إلى المساء فتكمل لي قصة الصياد وفرسه وكلبه والظبية ولأرى ما دخل الذئب.... حكاية التكوين في معهدنا كحكايات جدتي، هي متاهات لتنويم العقول قسرا ...!! 

mercredi 16 janvier 2013

صاحبة الرداء الأحمر







لم أكن أقدر أني سأغرق في التفكير في مكان كذلك المكان، ولم أكن  لأظن أني سأهيم في تلك العوالم البعيدة المدى وأنا وسط تلك الجمهرة الغفيرة من البشر، ولكن قدر الله أن تذهب ليلتي على ذلك المنوال، وكنت قد منيت النفس بليلة ساهرة رائعة، ولم لا أمني النفس، فالوقت مناسب جدا ونفسيتي مناسبة جدا، إنها نهاية الأسبوع ونهاية الأسدس الأول من السنة الدراسية، وقدر مر رتيبا رطينا ثقيلا على النفس، فلم  لا أحظى بليلية جميلة تخفف هذه الوطأة ؟ ولم  لا أخرج مع رفيقي إلى هواء الطلق حيث يقام الحفل فننال حظينا من المرح و قسمتينا من التسلية بعدما نلنا حظينا وقسمتينا من هذه الحياة العقيلة القاحلة، فاقترحت أن نخرج لنحتفل مع القوم بالسنة الأمازيغية الجديدة، فاعتذر بأننا لا نفهم الأمازيغية فكيف يكون لنا الاحتفال ، ولكني لم أحتاج لكثير من الوقت لأقناعه فنحن ذاهبان لاحتفال وليس لمحاضرة، ذاهبان لنعيش جو الاحتفال بما فيه سخب، ولعلنا سنكون أمتع الناس به إذ لا نفقه منه شيء، فالغموض سيتيح لنا  حرية التأويل والتصور، فنفهم ما نشاء ونصور ما نشاء لا ما يشاء لنا، وفوق هذا نحن ذاهبان لسماع موسيقى ومشاهدة لوحات إنسانية حضارية وهذه أشياء كلها لا تحتاج إلا لروح تذوقها وتلتذ بجمالها وتسمو به، فما لنا واللغة ... فقال هيا بنا، فتوكلنا على الله وخرجنا عازمين على المتعة والسعادة.

 تلقانا الساهرين على الحفل عند البوابة بوجوه جميلة بشوشة مرحبة فرفعا يدينا بالتحية وتبادلنا كلمات قصيرة مقتضبة عند المدخل فهموا من خلالها أننا لا نفهم ولا نتكلم اللغة الأمازيغية فخصصوا لنا مرشدا ثقافيا يرافقنا ويوضح ما واعترضنا من غموض ودعونا لتذوق العصيدة فأخدنا بأطراف الملاعق وتمطقنا وقلنا إنها رائعة، وتحركنا مع مرافقنا ولكنا سرعان ما ضقنا به درعا واحتجنا حريتنا وكيف لا نضيق درعا برجل يحاول أن يترجم ثقافة  فلا يبقي منها إلا خراب، فسرحناه سراحا جميلا واسترجعنا حريتنا، وسرنا نتجول على إيقاعات الأطلس المتوسط  فوقعنا بالصدفة على صديق لنا يسير وحيدا، فما إن رآنا حتى تهلل وجهه وأسرع لنا بالعناق ، فسرنا ثلاثة، وانتحينا ناحية في الخلف واتكأنا على السياج ورحنا نسمع دون أن نفهم فنطرب وربما خرجنا عن أطورنا فتمايلت أجسامنا ذات اليمين وذات الشمال تماشيا مع الأنغام ونحن نعزف على أكفنا، وكانت الليلة جميلة من طلعتها وما حسبت أنها ستنقلب ذلك المنقلب...

ونحن على حالنا بين الآهات والليلوات والعينوات إذ مرت آنسة عصرية مسرفة في التأنق مسرفة في الزينة، تحمل رداء أحمر كالثعلب، على شفتيها  طبقة أحمر رقيقة أضفت عليهما  إغراء ولذة، وعلى كتفها حقيبة حمراء وفيدها هاتف مسطح أحمر، مرت أمامنا وأمرت معها سحابة من العطور استفزت أعصابنا فتوقفنا على الحديث لحظة لنستوعب الموقف ولكن الموقف كان أصعب من أن يحيط به العقل، وقفت الآنسة منا على بعد أمتار وكان الفاصل الموسيقي شرقي هادئ، وجعلت تقسم  بيدها كمايستطرو  فرقة موسيقية كبيرة في أحد المسارح العملاقة، وكانت حركة يديها خفيفة رشيقة، تنساب أصابعها المعقوفة الأظافر مع الرنة الموسيقية في انسجام رائع كأنما تستجيب لحركة خفية تهز أعصابها الدقيقة حتى أنك تخال  الأنغام تتسرب من أناملها وليس من أوتار الآلات الموسيقية، كنا خلف نقف خلف الجمهور وكانت تقف أمامنا في مكان واسع، كنا نحن الثلاثة وهي أمامنا والجمهور أمامها والخشبة أمام الجمهور، راحت تمارس طقوسها طوال الفاصل الموسيقي الهادئ غارقة في موجات جسدها ويديها كأنها في معبد...انتابتني نوع من الهدوء والتأمل وربما شيء يشبه الإعجاب أو قل إعجاب، وملت إلى صاحبي متسائلا:

ـ كيف تفسران الرقص ؟

فقال الثاني:

ـ  حين لا  يفهم العقل ويعجز عن التحمل يسلم لباقي الأعضاء حرية التصرف فتفعل ما تشاء..!!

 فقال الثالث:

ـ اسأل الآنسة ... وأشار للصاحبة الرداء الأحمر

لم يكن الجواب الأول ليشفي، ولم أكن لأنزل الآنسة من سمائها حيث تراقص  السحاب لأسألها سؤالا كهذا، فعدت إلى التأمل والتفكير، إنها إشكالية خطيرة، كيف يسمع الانسان أصوات فيخرج عن طوره  فيهتز من دون قانون ورغم ذلك يكون متناسق الحركات، أليس هذا لغز محير ....؟؟؟

انتهى الفاصل الموسيقي الشرقي فحمدت الله لعودت الألوان الأمازيغية الحارة، لعلها تنزل الآنسة من سمائها وتنقدني من هذه الأفكار ومن شيطان هذه الأسئلة، وتعيدني إلى جو الحفل الساهر ولكن هيهات...اشتعل المحفل تحت نيران الدفوف والكمان واختلط الجمع وكان الجو مجللا بغلالة ضبابية أضفت عليه غموضا وروعة، وسار الجمع كتلة بشرية مجنونة تمارس طقسا من طقوس الجنون،  وإذا دققت النظر تجد تلك المجموعة مكونة من مجموعات صغيرة  من اثنين أو ثلاثة أو أكثر من الراقصين والراقصات، كل مجموعة من تلك المجموعات الصغيرة تأدي رقصة مختلفة عن جميع المجموعات الأخرى، وكل راقص أو راقصة  داخل الجماعة الصغيرة  يؤدي رقصته الخاصة من إبداعه لا تمت لباقي  أعضاء الفرقة لا من بعيد ولا من قريب، وإذا ركزت النظر على عضو واحد تجد كل عضو  أعضائه يؤدي حرطة الخاصة لا يأبه لباقي الأعضاء، أي عشوائية طبيعية هذه وأي منطق، وملت إلى صاحباي أسألهما عن تفسير:

ـ كيف تفسران هذا ...؟؟

فقال الثاني:

ـ حين يعجز المجتمع  عن فهم ذاته ولا يقوى على تحمل الطاقة المتفجرة من أفراده وتسييرها إلي حيث يستفيد منها يسلم لهم الحرية فيفعلوا ما يشاؤون.

فقال الثالث:

ـ اذهب إلى المنظمين واطلب مكبر الصوت واسأل الجمهور,

كنت قد نسيتها وغرق عقلي من الكتلة المجنونة ولكن خاطر حملها إلى دهني، فإذا بها لا تزال وحيدة أمامنا قاصية عن الجمع ولكنها تمارس طقوسها هي الأخرى وحيدة منعزلة، لماذا يا ترى اختارت أن تكون وحيدة هنا، قد تكون خافت، ولما لا تخاف، فالمجموعة كبيرة هائلة متمايلة، فمن يضمن لها إذا دخلت أن يدوس أحدهم على حدائها اللامع أو يزاحمها آخر بها فيبعثر تسريحة شعرها، وتملكتني رغبة جنونية أن أكلمها وأطرح عليها سؤال يلح علي  فاقتربت منها وقلت:

ـ اعذريني يا آنسة إذ قاطعت رقصتك الجميلة لو سمحت عندي سؤال:

فابتسمت وقالت:

ـ تفضل   ...!ّ!

قلت :

ـ ماذا تقولين لنفسك أو ماذا تقولين للدنيا من حولك حين تتحركين بهذه مع الموسيقى بهذه الطريقة ... يعني أريد أن أفهم كيف تشعرين وأنت ترقصين ؟

ففتحت في عيني  عينين جميلتين وقالت متبرمة :

ـ إذا كنت تريد التحادق  فليس هذا الوقت المناسب

فقلت :

ـ نعم هذا وقت الرقص...!!  

هكذا ضاعت ليلتي وعدت برأس مثقلة من الأسئلة... فمتى تكون ليلة أخرى تنسيني ؟؟  
 

samedi 5 janvier 2013

هزيمة


كان كل شيء ينذر بالهزيمة وكل ما يحيط بنا يتظافر ويكمل بعضه بعضا ليجعلها نهائية: الفصل ربيع والوقت أصيل والمكان شط نهر هادئ المزاج واللون أخضر يانع زاه والزهور تتمايل مع النسائم في خيلائها العذب كأنها ترقص احتفلا وترحابا بنا.. تنحت عن السجاد وجلست  فتلقاها العشب الوتير بلطف وراحت أصابع قدميها تلاعب الوريقات في تلقائية عفوية ...
وبعثت النسائم في النفوس دفئا  هيأ لها قوة سحرية حولت العالم المحسوس الى أطياف روحانية مفعمة بأمن خلاب مفتر وتصاعد همس محبوب مشبوب شهي ينقر على أوتار الروح ويبعث في الدم رسائل الاستفزاز، وتبادلنا نظرات حارة مترددة نفذت الى قلبينا كأنها لسعات لهيب وفصل بيننا ارتباك حار ولذيذ، وتولاها الارتباك وتولاني أنا أيضا..
استرقت النظر إلى وردة أوردت على وجنتيها، الى الغصن الرشيق المتناسق، الى فاكهة .. ما هذه الحقيقة الماثلة أمام عيني ...؟؟ أليست الحقيقة أبدع من الخيال...؟؟؟
وساد صمت موقوت... أدهشتني تلك  الحقيقة كأني أكتشفها لأول مرة وضقت ذرعا بفلاسفة الشك ووددت لو أجمع الأحياء منهم وأوقظ الأموات من قبورهم وأصيح بههم: أنظروا أيها الحمقى المجانين ها هي حقيقة مطلقة ماثلة أمام عيني وكنتم تزعمون فس الناس أنه لا توجد حقيقة مطلق..وأحسست أن نطرتي تعنف  الورد...لو أعفيتها من عيني لكان أقرب الى الرقة، لكني ضعيف أمام الحقيقة..!! 
وأنبرت بصوت رخيم :
ـ نحن أصدقاء من نوع خاص... أليس كذلك ؟؟؟

ـ نعم...ولكن...يجب أن أوقع هزيمتي !!!