حياة بيضاء لا شية فيها، لا أثر يستوقف عينيك الذاهلتين
حين تعبر الدرب بخطاك الرتيبة .... أنت الآن قرأت هذه الجملة وتترقب ما بعدها وربما
سخطت وتبرمت بي وبما أكتب وكلت لي ما شئت من اللعنات وأغلقت الصفحة ورحت تبحث عن
متعتك في مكان آخر.. معك حق، فهي تبدو لأعمى الحس جوفاء لا تحمل معني ولا تفي بغرض،
ولكن لو أمعن النظر قليلا لرأيتها جملة
مفيدة سليمة التكوين سليمة المعنى، ولكنك كما عهدتك يستهويك الجدال قبل التأمل
وأخد الأمور بالعقل والتأمل، وها أنت ذا تتساءل
في تهكم وسخرية عما قد تحمله جملة معوجة مفلسفة
مثل هذه الجملة من معنى؟ ولكني لن أذهب مذهبك ولن أزعم لك أنها مفعمة بمعاني يضيق بها عقلك
وقلبك معا وليس من العسير علي أن أجد بعض الدلائل والحجج لأظهر صحة
زعمي ولكني لو فعلت لكنت أسير سيرة السفاسطة وأصحاب الكلام وأنا لا أريد لنفسي ذلك
لسببين، الأول أني لا أحبها والثاني أني متعب متعب متعب ... فحسبي ان أشرحها وأربطها بحديث له معنى
ومنطق وهدف، لربما تفهم وتكف عن هذه السخرية، صدقني لها معنى إن يبدى لك يسوؤك ويكره
لك السخرية والتهكم، وربما كره إليك نفسك وكره الحياة إلى نفسك وحبب إليها الموت،
وهذا ما لا نحبه لك ولا نرضاه، فأنت على كل حال إنسان له ما للإنسان من عيوب
ونقائص، وأخصك الله بنقيصة علاوة على نقائص الإنسان هي نقيصة الجهل، فالإنسان بطبعه
عالم وأقصد بعالم متسائل قلق في بحث مستمر عما خفي عنه من أسرار، وأنت جامد توقفت
وتحجرت في تهكمك وسخريتك... قد أكون أغلظت
لك في القول وربما اغضبتك وأثرت حفيظتك وأنت الآن تجد علي في صدرك نوعا من العنف التحدي،
وربما تحس مني مرارة الظلم لأنك لم تتهكم أصلا ولم تخطر على ملامحك ابتسامة
السخرية الباهتة، وإنما أنا وضعت فرضياتي وتصورتك في وضعية لم تعجبني فذهبت أعمل
فيك لساني لا لشيء غير أن خيالي سول لي شيئا لم يرقني ولم أرتاح له، وكلت لك من
الكلام المر الغليظ دون تجشيم نفسي تعب البحث عن حقيقة الأمر، ولكن لا علي في هذا
كله فأنا متعب كما قلت لك وعقلي متعب يخيل إلي بعض الأمور ، ولا عليك أنت أيضا إن
تهكمت أو سخرت أو لم تفعل، فما نحن إلا ناس من عامة الناس نحمل عيوب الناس كما سلف
وقلت!! فاهدأ نتحدث قليلا علنا نرتاح من أنفسنا ونتخفف من لواعجها، ولا تتوهم
أني كنت أريد النيل من راحتك أو إزعاجك، لا ليس كذلك، أنا فقط كنت أتعمد إثارتك
وتنفير قواك لتسمع إلي جيدا، فأنا أحتاج من يسمعني بكل قواه، فحديثي هذا شيء من
العجز وضرب من ضروب الضعف، إنها يا صاحبي
تلك الشيخوخة المبكرة التي تصيب النفس فتقعدها عن الأحلام وتصغر في عينيها الآمال الأماني
والمطامح والمطامع ، ذلك التلف الذي يلم بها فيفسد عليها الحياة ويجعلها لا شيء ..العدم
رهيب، أي شك وأي عجز عن إرضاء هذا الشك وكيف السبيل إلى إسكات هذا القلق، أي صمت
يكتنف ضجيج الحياة وأي موت يلفها، انبسطت الدنيا مستوى أفقي ممدود لا اعوجاج فيه
ولا قمة قد تغوي النفس التواقة إلى المغامرة بالتسلق، لون واحد يسيطر... إنه
البياض وشعور واحد ينشر جناحه الخرافي إنه اللاشعور... لعلك تتهمني بعد هذا
التصريح الأبيض بالتشاؤم !! إنك تسيء الظن بي كعادتك وكيف لي أن أعذل برجل اعتاد
أن يترك المعنى المباشر ويبحث عن ما في دهنه في مقالات الناس عن سوء ظنه، ولكن لا
بأس سأقول لك إني لا أستطيع التشاؤم لأن التشاؤم يفترض وجود شيء نطمح إليه ونسيء
الظن بقدرتنا على بلوغه وأنا لا أنتظر شيئا ولا أتوقع شيئا جديد، بل كل يمكن أن
يحصل قد حصل لكثير من بني البشر ثم مر كما أن لم يحصل شيء، كلها أشياء لا وجود
لها، وحقائق مزيفة، وخيالات خادعة تصيبك فتقنعك أنك ذا بال في هذه الدنيا والحقيقة
أنك دلوا يملأ حينا ويفرع حينا ثم يبلى فيرمى في سلة المهملات...كل تجارب الحياة
عيشت، أنا أريد شيئا جديدا لا أجده، فلأشخ
الأن وأنعم بالبياض.
jeudi 20 décembre 2012
lundi 3 décembre 2012
حديث الخفافيش
قد تنتظر بعد هذا العنوان الظريف نوعما من التفكيه أو التنكيت، أو قد تنتظرا حديثا رومنسيا رقيقا ،لا ... لست في مزاج أستطيع معه تذوق تلك الأشياء الجميلة الرائعة وصياغتها، فأود أن أعتدر إذ كنت قد خيبت لك أملا، وأني لأتفهم حق التفهم الموقف، فهذا العنوان يليق أكثر بأحاديث الفكاهة والتنكيت لا بأحاديث الجد المر الذي لا يجب أن نحيد عنه حين نخوض في شؤن حاضر المعهد ومستقبله.
ولكن طالبا من الطلاب وصديق من خاصة الأصدقاء الذين يحملون بالإضافة الى هم حياتهم الخاصة هموم المعهد أراد أن يتكلم في أمر من أمور الساحة الطلابية فضرب الخفافيش مثالا له، يذهب في ذلك مذهب السخرية المرة وإن كانت أمور المعهد لا تحتمل فكاهة ولا سخرية .
صديقنا يزعم ان هاؤلاء الذين نسميهم أو الذين يسمون أنفسهم طلبة ما هو إلا مجموعة من الخفافيش العمياء وأن هذا المكان الذي نتقاسم سكناه ليس كما نعتقد داخلية وإنما هو مجوعة من الجحور والأوكار استوطنتها تلك الخفافيش... ، لا غرابة أن تنكر هذا الكلام أشد النكر وتستشيط غضبا وتخرج عن طورك الهادئ، ولكن مهما فعلت فصديقنا يذهب في حديثه في غير تكلف ولا تعصب، بعيدا كل البعد أن يكون قد حسب له أي حساب أو أقام له أي وزن، وقد ذهبت مذهبك واستشاط بي الغضب وأخدني العصب وخرجت عن طوري الهادئ إذ لم يكن في مقدوري أن أقف إيزاء كلام كهذا موقف المستمع اللامعن بالأمر فاندفعت أعاتب حينا وأزجر حينا وأحاول أن أثنيه عن هذا الرأي الشائن الذي يمس رمز الطالب في المعهد، وهو يجلس قبالتي هدئا متزنا لم تزايله تلك الإبتسامة الماكرة و تلك النظرة الهدأة القوية ، ولا نادما لما صدر عنه من قول ولا مباليا لما صدر عني من فعل...
وأنا حار شديد الإنفعال وأحب الأحاديث الساخنة القوية كما أكره البرود من محدثي خاصة إذا كان الموقف جدي كهذا الذي نضطرب فيه ،فازدادت حدة الكلام مني شئا فشيئا،وازداد الغليان في دماغي حتى كاد أن يخرج الموقف من يدي فتتطور الأمور من جانبي الى رفع صوتي ومن يدري ربما رفع القبضة.. وما أبعده عن التعصب أو ما أبعد التعصب عنه ... ولا أخفيكم أني أشفق أشد الإشفاق من خسران صديق في سبيل فكرة أو موقف مهما كانت خطورة هذه الفكرة أو هذا الموقف، فاخترت مجبرا أن أعود الى الهدوء والروية لعلي أفلح بالملاينة فيما فشلت فيه بالتعصب أو على الأقل أظفر منه بحجة تبدد غصتي أو تجعلني أرى هؤلاء الطلبة خفافيشا كما يراهم.
وقد أصبح الموقف حساس للغاية ويجب أن أنفذ بطريقة من الطرق الى عقل هذا الرجل لأرى كيف بلور هذه القناعة.. ربما تنفع المراوغة، فلماذا لا أجرب.
اعتدلت في جلستي وتنحنحت كأني مباشر الكلام في الحلقية وقلت بالوقار الذي يليق بالموضوع:فيما أرى وربما ترى معي هذه الحقبة محورية في تاريخ المعهد الحديث، ولا شك أن هذه المرحلة سيكون لها ما بعدها بل أراها فاتحة لتغيير جديد وجدري على جميع المستويات،وعلى وجه الخصوص المستوى الفكري،فالوجوه الجديدة التي تفرض نفسها على الساحة لا بد له كلمة تقولها في في المستقبل القريب ....
ـ كلام خفافيش.
قاظعني في هدوء ونطق جملته في هدوء وواصل جلسته الهادئة ونظرته الماكرة، كأن لا شيء حدث ... لا أحب أن أصور لك كم أبغضته وكم استنزلت عليه من اللعنات، أكلف قدرتك على التخيل وإبداع الصور،ولكن لم يكن مناص من التظاهر بالهدوء فتساءلت في شيء من الاستغراب المتصنع :
ـ كيف أسمع منك هذا الكلام وأنت لم تفارق الحلقية يوما ... وإن كنت لا تتكلم فإنك تحضر جميع الأنشطة ؟؟
ـ أحب تخاطف الخفافيش تحت ضوء المصابيح !!
لا يمكن أن أتحمل أكثر فأنا كما قلت لك لا أتحمل البرد حتى من جو من هذا العقل المشلول، وقمت لأنصرف إيثارا للسلامة ولكنه أستوقفني ورجاني أن أجلس لبضع دقائق أخر، فقبلت بعد تردد، ثم قام وطلب لنا الشاي و جلسنا من جديد وجها لوجه ...
قلت في وجوم: هات..!!
في هدوؤه واتزانه المعهودين قال: عز أن تفقد عقلك في البحث عن مقارنة بين طالب المعهد والخفاش.
ـ قلت: وعليه..؟؟
ـ قال : هل حدث وأن راقبت تخاطف الخفافيش تحت أنوار مصابيح الطرقات؟؟
قلت: نعم!!
قال: نعم ....هكذا هم بعض طلبة المعهد، يتخاطفون في كل الاتجاهات من غير منطق ولا فهم ....كالخفاش في طيرانه الرشيق تماما، إذا صادف جدارا أو حاجزا يعكس طريقه دون تفكير في ركوب المغامرة واختراق الجدار... أما الإنسان يا صديقي فيرفض النكوص والرجوع بل يمتحن عقله في التغلب عن صلابة الحاجز وغالبا ما يفوز العقل.
وفقمت فمشيت ....................
Inscription à :
Articles (Atom)