فن الكتابة وعفن التكلف
الكتابة فن له حرمة يجب أن تصان ومنزلة رفيعة
يجب أن تبقى رفيعة وتزداد رفعة، وليس كل شيئ يستحق أن يكتب، وكل "لا
شيء" يجب أن لا يكتب، وليس من شك أنه قليل هؤلاء الجديرين بأخد القلم والكتابة، وهم هؤلاء الذين يقدرون مسؤولية التي يتحملونها عن
طيب خاطر حين يعتزمون الخط والتعبير وهي مسؤولية لا ينهض بها إلا الأفذاذ من
الأدباء وأرباب الأذواق الذين يكتبون حين يكتبون ما يفيد ويمتع ويهدب الذوق
وينقحه، وكثير من الناس حين يأخد بقلم يجني على نفسه وعلى الناس وعلى هذا الفن
النبيل، وهم هؤلاء المتكلفون الذين يريديون أن يصيروا كتابا وأدباء مع أنهم خلقوا ليكونوا
حدادين أو نجارين أو عتالين أو ليشتغلوا أي شغل من هذه الأشغال التي تحتاج القوة الجسدية
بدل القوة الروحية، وهذه الفئة خطيرة جدا على نفسها وعلى الناس وعلى اللغة، فهي
تتحدى طبيعتها وتصارع مشيئة الله فيها فتعيش حياتها تتعذب وتبذل ذلك الجهد العنيف
المضني لتصل إلى القمة ولكنها لا تموت إلا عند القدم، ولو كانت صخرت القليل من ذلك
الجهد في المجال الذي خلقت له لبرعت ونجحت ولكنها عنيدة تريد أن تضيئ وهي رماد،
وهي في عنادها هذا تأدي الناس وتذمر أذواقهم وتنفرهم من القرءة وتشين لهم جمال الأدب، وجنايتها
الكبرى ليست على نفسها وعلى الناس، إنما على اللغة، وخاصة إذا كانت العربية، فالعربية لغة جميلة أنيقة يجب أن تحضى بما يليق
بها من الرفعة والتقدير والاحترام، والذي يباشرها يجب أو يولها ما تستحق من القوة
والرسانة والحنية والرمنسية والدلع في نفس الوقت، ولكن هؤلاء الناس لا يرعون فيها دين لا دمة، يمرغونها في عفن
حياتهم اليومي دون أن يهتز لهم طرف، ونحن الذين ابتلانا الله بحب هذه اللغة كلما
رأينا أحرفها الجميلة إلا وانهلنا عليها
أصبحنا نضرب أخماسا في أسداس قبل نندفع ونندفع حين نندفع بحدر
شديد خشية أن نقع على عبارة تعلق في حلقومنا كقطعة الزجاج ولا ننسى ألمها إلا
بالموت ... فاتقوا الله فينا يا هؤلاء
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire