vendredi 31 mai 2013

البيزوطاج وفلسفة الإدماج




في رأيي المتواضع وحسب تجربة الثلاث سنوات التي قضيتها بين أروقة هذا المعهد العتيد وحسب تجارب سنوات عمري الأخرى التي قضيتها خارج أسواره يجب أن نعيد النظر في عملية  "البيزوطاج"،هذه الفكرة تدور في عقول الطلبة قاطبة على اختلاف ايديولوجياتهم وتياراتهم واهتماماتهم ودرجة تثقفهم وخبرته بأمور الدين والدنيا، وأجزم أن طالبا من طلبة لمعهد لو سئل عن مدى رضاه عن هذه العملية لأجاب من غير تردد أنه مستاء منها وأنها بعيدة كل البعد عن النمودج الذي يصبو إليه، ولو تمكن أن يغير شكلها ومضمونها معا لما توانى لحظة واحدة لفعل ذلك، وسيفعل حسب تصوره للحياة ورأيته لنفسه وللآخرين من حوله وفي اتجاه طموحاته ورغباته الداخلية الكامنة اللاواعية... وأنا أريد أن أغير،  وأود أن أبسط تصوري وهو تصور عادي لن يقبله  طالبا واحدا من طلبة المعهد وإن قبله أحد وأستبعد هذا  فهو سيقبل حتما  تصوروه لتصوري وليس تصوري في حقيقته وكما أريده وأشعر به وأحسه.


 فلو كان بيدي أن أغير لما غيرت الكثير، سأكتفي برفع الحدود لتكون العملية طبيعية، وحين أقول طبيعية لا أقصد ذلك المعنى الشائع في الأدهان المتداول على ألسنة الناس، يعني لا أقصد طبيعية عادية متعارف عليها ومقبولة اجتاعيا وإنما أقصد حالة الطبيعة الحرة الطليقة العذراء، افعل ما شئت وما شاءت لك طبيعتك لا حسيب ولا رقيب، لا قانون ولا أعراف ولا محاكمات، يا سيدي أنت حر، تصرف على طبيعتك الصرفة، وكما يملي عليك ذلك الانسان المسجون في زنازن القوانين، ليس وراءك ولا أمامك ما تخشاه، إطمئن وكن أنت أنت....!!...والمجال  الزمني ليس شهرا وليس عاما، بل كل المدة التي ستقضيها في المعهد كاملة تصرف فيها كما شئت...لماذا هذا الطرح؟؟  سؤال بديهي، الأصل في الانسان أنه عنصر من عناصر الطبيعة إذا يجب أن يكون وجوده وجودا طبيعيا متماهيا مع باقي العناصر، وزنازن القوانين هذه وهذه الحدود التي وضعها الانسان ليس أصلا وإنما عارضا عرض على حياتنا واقتلعها من نسقها الطبيعي الأصلي الصرف ثم نمطها على هذا الشكل المقرف وكانت النتيجة كما نرى لا تصر ولا ترضي، إذا فمن الطبيعي أن أحب العودة إلى الطبيعة العذراء فهي أجمل وهي أنقى، ثم إني أريد أن أضع هذا المعهد تحت تجربة إنسانية ربما تغير تارخ البشر جميعا، فبهده الطريقة نعرف الانسان على حقيقته وطبيعته وسننهي ذلك السؤال الذي شغل الفلاسفة وسيشغلهم عن أصل الخير والشر في النسان، وقد يتطور هذا التجمع الحر في بعد آخر مغاير تماما للنسق الذي تطور فيه تاريخ الانسان، قد يكون أفضل فنتبعه وقد يكون أسوأ فنكون قد تعلمنا الكف عن التطلع إلى ما ليس بين أيدينا، والأهم أن نتخلص من هذه الاشارات التي وضعها لنا الأسلاف والأجداد يسيرون بهل حياتنا في  اتجاه واحد، وأن نتحقق هل يمكن أن تكون هناك  أبعاد أخرى كان يمكن أن ينتحيها تاريخ الانسانية غير هذا البعد الذي نعرفه أم لا.... بعبارة أخرى إذا أعدنا الانسان إلى حالة الانسان الطبيعي الأول هل سيتطور بهذه الطريقة أم سيخد طريقا أخر بالمصادفة؟؟؟؟ وهكذا ستكون تجربة البزوطاج أعمق وأنفع

samedi 25 mai 2013

محاكمة طلابية: قضية سرقة وتعذيب طالب في السنة الختامية


أنتم يا ملاذ العدل ويا أنصار العدالة ويا رجال ونساء مجتمع الحق ... إننا نهيب بكم لتتحققوا الحق وترفعوا الظلم !!
هذا يا رفاقي طالب يجلس معنا على طاولة الدرس ويأكل معنها في المطعم ويرتاد معنا أروقة المعهد، يعيش في سخب المعهد كما نعيش، تراه إذا أقبل الصباح يصافح الناس ويبادلهم التحايا والسلام والابتسام فتظنه مرتاحا البال خاوي الخيال، وتراه إذا اعتدل النهار غارقا فيما يغرق فيه الطالب من صغار أمور الحياة الطلابية وكبارها فتظنه كباقي الطلبة لا هم له إلا ما يهم الطلبة جميعا، وتراه إذا أقبل اليل يسامر الأصحاب ويشاربهم الشاي ويحاورهم في قضايا الأدب والفن والاجتماع الاقتصادا و لسياسة فتجزم أنه أخلص عقله لهذه الأمور وشغله بها عما سواها، بكل اقتضاب أقول إذا تأملت يومه تجده عاديا كأيام الطلبة، سعيدا حينا شقيا حينا، مرحا حينا ضيق الصدر حينا، باسما حينا عابسا حينا، ومهما اختلفت الأحوال وتلاحقت الأحيان يبقى كل شيئ فيها طبيعي يمكن أن يحدث لأي منا دون أن يلفت النظر  أو يستلزم انتباه...
هذا الليلة وقد انقضى من الليل نصفه، قلت لنفسي لما لا أزوره فآخد في الحديث وأعطي معه وأعرف منه رأيه فيما صار ويصير في المعهد هذه الأيام، وهكذا كان، قصدت غرفته وطرقت الباب طرقا خفيفا ودفعته دفعا خفيفا ودخلت،  ويا لتراجيدية المشهد ، يا ليتني لم أزره حينها ولا رأيت ما رأيت، يا ليت عيني لم تقع على تلك  الدمعة الغالية الحارة تأخد طريقها على خده، فما كان مني إلى أن أشحت بوجهي عن ناحيته وأخرجت منديلي ومددت له يدي متحاشيا النظر إلى وجهه وقلت أنظر إلى الناحية الأخرى:
ـ خد ... كفكف دموعك، فدمع الرجال حرام أن يهضر رخيصا هكذا !!
أخد المنديل، وانتظرت لحظة، فقال:
ـ يمكنك الآن أن تنظر إلى ناحيتي ...
ونظرت إلى ناحيته حائرا متسائلا:
ـ ما الذي حل بك فأبكاك يا رجل ...؟؟
ـ لا تسأل يا فؤاد لا تسأل ما دمت لا تستطيع أن تنصفني وتجعل العدالة تجري مجراها مع من اعتدى علي وظلمني ؟
ـ أقسم لأعلقن محاكمة طلابية غدا وأنتزع حقك من عيونه... فقط تماسك وقم لتقم بواجب الضيافة  وأعد لنا كأش شاي من ذوقك نروق ميزاجنا ثم احكي وغدا نتفرج على ذا الظالم الذي أبكاك في جوف الليل!!
تماسك رفيقي وأعد إبريق الشاي، ورتب كؤوسا صغيرة حوله على الصينية الفضية الصغيرة بتأنق وذوق، وصب وقلب وشقلب، وقدم لي كأسا مجللا بعمامته البيضاء، فرفعته إلى مستوى عيني لعلي أفهمه، ثم رشفت رشفة طولية خفيفة وتمطقت من هول اللحظة، ونظرت إليه بنصف عين وصرخت:
ـ الله الله ... الله على هذه النعمة !!
ورشفت رشفة أخرى وأغمضت عيني لبرهة أحاور ذاك المذاق، ثم تحولت إليه:
ـ الآن يمكن أن أسمعك وأفهمك ... والله والله لأرين هذا الظالم نجوم الظهر!!
نظر إلي في تسليم واسبل عينيه وأرخى حبال جبينه كأنما يقول أمري لله معك ومع إصرارك وأطلق نفسه على سجيتها:
ـ إذا كنت مصرا فاسمع ...
ـ نعم ....
ـ إن ذلك الطالب الذي تعرف يا رفيقي لا يمت إلي بصلة، إنما هي صورة أضعها أمام الناس أخفي وراءها شخصا معذبا مجروحا يئن داخلي، أنا ومنذ بداية السنة أتعرض للطرب والجرح بسلاح خطير، أضرب  في صمت ثم أجبر على الصمت...
ـ لقد أخفتني يا رجل ... من يضربك، وبما ومتى وأين وكيف ؟؟
ـ  تضربني طالبة هنا معنا في المعهد تضطرب معنا فيما نضطرب فيه من دروس وامتحانات و....
ـ طالبة .....!!!
ـ نعم طالبة ...
ـ كيف يا رفيقي كييييف ؟؟ هل أنا في حلم أم أنك تريد أن تفقدني عقلي ؟؟؟
ـ لا أنت في حلم ولا أنا أريد أن أفقدك عقلك ...
ـ اشراح .. قل..احكي .. فضفض ..ثرثر يا رفيقي ... لا لا أريد تلميحا ولا إشارات، أدخل الموضوع من كل أبوابه وأرحني، لقد عيل صبري !!
ـ تضربني بعينيها الشهلاوتين ضربا مبرحا ...
ـ الله ..!!
ـ تجرحني وتدميني دون أن تترك أثرا  ...
ـ ولكن القانون لا يعاقب على الضرب بالعينين !!
ـ ولكنه سلاح خطير، يضرب عن بعد وفي صمت ولا يبقي أثر خارجيا، ثم إن كان هذا القانون يعاقب على الضرب بالسلاح الأبيض الذي يصيب الجسد، فالعيون تصيب القلبب، والقلب أقدس من الجسد، وأرفع منه عند الله منزلة..!!
ـ في هذه معك حق ... ضرب القلوب أكثر إجراما من ضرب الأجساد، ولكن كيف سنثبت هذا أمام الساحة الطلابية...!!
ـ افتحوا صدري ستجدونني أعيش من دون قلب... وستجدون بصمات عينيها الخجولتين وستجدون الجروح ...!!
ـ وأين قلبك ....؟؟
ـ أخدته تلك المرأة القاسية المعذبة السارقة ...!!
ـ هكذا إذا ... المسألة فيها ضرب وجرح وسطو على قلب طالب باستعمال سلاح العيون الشهلاوية الخجولة...
ـ السمسألة فيها أكثر من هذا وأكثر مما قد تتصور ... فيها ضرب وجرح وسطو وشنق على حبال الحب، وفيها حرمان من النوم، وسلب لراحة البال، وإغراق الخيال، وفيها وفيها الكثير ....
 ـ لكن الأعراف لا تعاقب على الجرائم العاطفية !!
ـ  إن لم تعاقب عليها الأعراف ولا القانون، فمن سيعاقب عليها، ومن سيحميني أنا ؟؟
وأحجمت برهة أفكر ثم رفعت يدي قائلا:
ـ صحيح أنه لا الأعراف ولا القوانين إلى حد الآن تستطيع البث في قضايا كهده، ولكن تاريخهما معا تاريخ تطور، وقد يكون هذاهو المنعطف التاريخي، من هنا من داخل الساحة الطلابية العتيدة سنأسس قانون الجرائم العاطفية، وليشهد التاريخ غدا ميلاد علمين جديدين: الجرائم العاطفية، والقانون العاطفي ... ولكن ما نوع العقوبات ... يعني في حالتك مثلا ماذا تقترح كعقوبة لهذه المرأة القاسية السارقة المجرمة .... أن نزوجك إياها مثلا؟؟
ـ أتزوجها ... لا لا ..لاااا أريد...  ستقتلني رميا بعينيها حتما ..!! أقترح أن تطردوها من المعهد لشهرين ابتداء من يوم غد، فأنهي بحتي وأناقشه وأودع المعهد وأذهب لحال سبيلي ... ثم بعد ذلك أعيدوها إن شئتم وإن لم تشاؤوا فأعيدوها حتى تكمل دراستها.
هذا الذي صار بيني وبين رفيقي ورفيقكم في الدرب الطلابي نقلته إليك بكل أمانة، وأملنا كبير أن تهبوا لحماية هذا الطالب وأن تلبوا نداء العدالة.
المحاكة الطلابية ستجرى غدا بإدن الله بساحة المعهد ابتداء من الساعة الثانية بعد الزوال، المرجو من المتهمة الحضور وإلا ستحاكم غيابيا وبه وجب الاعلام والسلام.

mardi 21 mai 2013

طفولة

كنت قد  ولدت قبل خمس سنوات على هضاب مقدمة جبال الريف بين أب فلاح يعيش على الأرض وتعيش فيه الأرض وأم لا تعرف من الدنيا إلا كيف تغدق الحب على أسرتها وتتفانى في إسعادها، في هذا العمر الصغير تلبسني أمي جلبابا أبيض وتحكم على رأسي عمامة مطرزة بألوانا زاهية وتضع في رجلي بلغة جلدية بيضاء صمم عليها سيف من خيوط دقيقة لامعة، ثم توقفني أمامها وتتأملني لحظة ثم تضمني إليها في جنون وتقبلني ثم تضع بيضة في يدي وتقدمني لأبي، فأتمسكت بيده اليمنى والبيضة في يدي اليمنى وسرت إلى جانبه أتبختر في جلبابي لا أعرف نفسي من الفرح..في نهاية  الطريق الخارج من البيت وجدت نفسي في مفترق الطرق فانحرف بي أبي إلى ناحية لم يخطر على بال أني سأنحرف إليها يوما، فسألته:
ـ إلى أين تأخدني ... ؟؟
ـ نحن ذاهبان إلى المسجد..!
ـ ولما ..؟؟
ـ لتتعلم الكتابة والقراءة وتحفظ القرآن.
ـ وأنت ؟؟
ـ أنا كبرت على ذلك ..!!
ـ أنا أيضا كبرت ..!!
ـ لا أنت لا زلت صغيرا ..
ـ أنت تقولي لي " كبرت وصرت رجلا "
ـ نعم ..صرت رجلا ولكنك لم تصر فقيها بعد.
ـ وهل الفقيه أكبر منك ؟
ـ نعم ...
كانت هذه أول حقيقة تواجه عقلي الصغير وتتعبه..ودخلنا المسجد وهو دار من الطوب يحيط بفضائها الواسع سور قصير، قامت في وسطه  شجرة تين عظيمة وارفة الظلال إستوى إلى جدعها شيخ في مراحل الهرم الأولى ولكنه حازما متوازن الحركة، وعلى يمينه عصاه الطويلة الجرداء تنام ببراءة ، وحول الشيخ تحولقت جماعة من الصبيان أصغرهم أصغر مني قليلا وأكبر مني كثيرا، ألقى أبي السلام ثم صافح الفقيه بإجلال فشعت عيناه بالترحاب والاهتمام وقدمني إليه:
ـ جئتك بفقيه صغير تضمه إلى فقهائك ...
فتلقفني الفقيه بين يديه وقبلني على جبيني ثم أجلسني إلى جانبه ووضع يده على كتفي وجعل يتمتم أدعية اجتهدت لفهمها ولكن لسانه كان يتجاوب مع شفتيه في حركة سريعة لا تتيح للسامع فرصة لتفكيك الحروف وفصلها عن بعضها، ثم انخرط أبي في حديثه مع الشيخ وانخرطت أنا مع الصبيان في حوار عميق بالعيون، وانتبه أبي إلى البيضة في يدي فقال مستنكرا:
ـ ألن تعطي البيضة للفقيه ... أم تريد أن تكبر وتصبح فقيها من دون أجر؟؟
فمددت يدي بالبيضة للشيخ فأمسك يدي وقبلها ثم وضع البيضة في حجره، وقال مبتسما:
ـ اللحمد لله الذي أغنانا من فضله!!
وقام أبي يريد الانصراف، فقمت معه متعجلا، فتعجب:
ـ إلى أين ؟
ـ معك ...!!
ـ لا أنت تبقى هنا تتعلم وتحفظ القرآن مع أصحابك، ونلتقي عند المساء !!
وأرسلت إليه نظرة باهتة متوسلة، فبدى صارما مصمما كأنما نسى تلك اللحظات الحلوة التي قضيناها معا في المناغشة والمغامرات الودية الجميلة، وحمت حول المكان في نظرة تشي بمرارة خيبة الأمل، وتوقفت عند الفقيه وكان ينظر إلي مبتسما وقورا رحيما كأنه يلمس ذوق الخذلان في قرارة نفسي، فتدخل لينهي المشهد:
ـ خده معك الآن وغدا يأتي في الصباح مع الأولاد !!
فشكرته في صمت، وأحببته، وخرجت  لا ألوي على شيء، أتجرع مرارة الخدلان وأسأل نفسي كيف يتنكر لي أبي بعد اللذي كان بيننا وبهذه البساطة، وكان ذلك هو المفصل الذي علمني أنني كبرت وآن لي أن أرى وجه الحياة الحقيقي، وأن أمشي  وحدي مستقلا من دون يد أتمسك بها...