lundi 30 décembre 2013

فن الكتابة وعفن التكلف


الكتابة فن له حرمة يجب أن تصان ومنزلة رفيعة يجب أن تبقى رفيعة وتزداد رفعة، وليس كل شيئ يستحق أن يكتب، وكل "لا شيء"  يجب أن لا يكتب، وليس من شك أنه قليل هؤلاء الجديرين بأخد القلم والكتابة، وهم هؤلاء الذين يقدرون مسؤولية التي يتحملونها عن طيب خاطر حين يعتزمون الخط والتعبير وهي مسؤولية لا ينهض بها إلا الأفذاذ من الأدباء وأرباب الأذواق الذين يكتبون حين يكتبون ما يفيد ويمتع ويهدب الذوق وينقحه، وكثير من الناس حين يأخد بقلم يجني على نفسه وعلى الناس وعلى هذا الفن النبيل، وهم هؤلاء المتكلفون الذين يريديون أن يصيروا كتابا وأدباء مع أنهم خلقوا ليكونوا حدادين أو نجارين أو عتالين أو ليشتغلوا أي شغل من هذه الأشغال التي تحتاج القوة الجسدية بدل القوة الروحية، وهذه الفئة خطيرة جدا على نفسها وعلى الناس وعلى اللغة، فهي تتحدى طبيعتها وتصارع مشيئة الله فيها فتعيش حياتها تتعذب وتبذل ذلك الجهد العنيف المضني لتصل إلى القمة ولكنها لا تموت إلا عند القدم، ولو كانت صخرت القليل من ذلك الجهد في المجال الذي خلقت له لبرعت ونجحت ولكنها عنيدة تريد أن تضيئ وهي رماد، وهي في عنادها هذا تأدي الناس وتذمر أذواقهم وتنفرهم  من القرءة وتشين لهم جمال الأدب، وجنايتها الكبرى ليست على نفسها وعلى الناس، إنما على اللغة، وخاصة إذا كانت العربية،  فالعربية لغة جميلة أنيقة يجب أن تحضى بما يليق بها من الرفعة والتقدير والاحترام، والذي يباشرها يجب أو يولها ما تستحق من القوة والرسانة والحنية والرمنسية والدلع في نفس الوقت، ولكن هؤلاء الناس  لا يرعون فيها دين لا دمة، يمرغونها في عفن حياتهم اليومي دون أن يهتز لهم طرف، ونحن الذين ابتلانا الله بحب هذه اللغة كلما رأينا أحرفها الجميلة إلا وانهلنا عليها  أصبحنا نضرب أخماسا في أسداس قبل نندفع ونندفع حين نندفع بحدر شديد خشية أن نقع على عبارة تعلق في حلقومنا كقطعة الزجاج ولا ننسى ألمها إلا بالموت ... فاتقوا الله فينا يا هؤلاء

lundi 18 novembre 2013

غائبة الشمسين

في دنياه شمسان اثنان، شمس تطلع بالنهار وتأفل باليل، وشمس أخرى أفلت ولن تطلع إلى أبد الآبدين وهو يتفجغ عليها ويتمنى لو يستطيع أن يفتديها بالشمس التي تطلع وتأفل اتباعا، تسمى خولة وهي أخت سيف الدولة علي الحمداني، وخولة هذه مهرة عربية أصيلة مكتملة الحسن والبهاء عاشت في قصر أخيها سيف الدولة في حلب وتربت تربية الأميرات وتأدبت بآدابهن، فتمازجت فيها المرأة العربية البدوية الصحراوية الأصيلة بالأميرة الرقيقة الرهيفة التي اعتادت حياة الزهور والشرفات، وتجانست الطبيعتان في صبية جميلة بقلب بدوي يهوى ويحفظ الشعر ويطرب لسماعه ويقوله إذا مسه الولع ويعشق إذا عشق حتى الموت، سمعت شعر المتنبي في مجالس أخيها فأحبته وجعلت تتعقب قصائده وأبياته وتحفظها وتترنم بها إذا خلت لنفسها أو إذا جالست صويحباتها، ولم نزل المتنبي ظيفا على قصر أخيها وأقام عنده كان لها أن تراه وتسمع منه وتناظره في الشعر والأدب، فشغفها وشغفته حبا ، وتغزل بها في الكثير من قصائده وشكى وتألم من حبها، ولكن لم يكن في الإمكان أن يقبل سيف الدولة علي الحمداني بشاعر نزل قصره زوجا لأخته وهي على ما هي عليه من أصالة الناسب ورفعة المنزلة وكمال المحاسن...

وكان ما كان بين المتنبي وسيف الدولة من جفاء، فرحل المتنبي عنه لينزل على كافور الإخشيدي حاكم مصر أنذاك، وكثرت الأقاويل والافتراءات في خولة فأبعدها أخوها عن قصره في حلب إلى ميافارقين حيت ولدت، فلبثت أياما بها ثم ماتت كمدا على رحيل المتنبي عن حلب إلى مصر ورحيلها عنها إلى ميافارقين، فكتب المتنبي قصيدة طويلة يبث حزنه ويصف فجيعته بحبيبته خولة في صور شعرية تجعل القلب يحزن لخولة وإن كان بينه وبينها ما يرابي العشرة قرون من االزمن، فتأملوا معي هذه الصورة الفريدة:

فَلَيْتَ طالِعَــةَ الشّمْسَـــينِ غَائِـــبَــةٌ ^^ وَلَيتَ غائِبَةَ الشّمْسَـــينِ لم تَـغِبِ

وَلَيْتَ عَينَ التي آبَ النّهارُ بــــــهَا ^^ فِداء عَينِ التي زَالَتْ وَلـــــم تَؤبِ

يتمنى المتنبي لو أن طالعة الشمسين وهي شمس النهار غابت وتركت الدنيا تسبح في الظلام الدامس وأن شمسه الغبائبة خولة لم تغب عن دنياه وأنها ظلت تشرق في عينيه إلى لا نهاية، ويصرح أنه لو كان في مقدوره أن يفتدي شمسه خولة لافتداها بالشمس التي يؤوب بها النهار ويذهب بها الليل رغم حاجة الدنيا بكل ما فيها إلى هذه الشمس .... ولكن هيهات أن تلتفت المنايا للأمني