mardi 20 mai 2014

االكلام في الغش المدرسي


إن الغش في الامتحانات ـ وخاصة في التعليم العالي بما في ذلك من جامعات ومدارس علياـ  لا يعتبر غشا بالمعني الحرفي للكلمة، بل لا يمت إلى معني الكلمة بصلة، وإن تسمية الغش المدرسي بهذا الاسم لمن المفاهيم المغلوطة التي تستعمل للدلالة على غير مدلولها الحقيقي، ومن المدهش أنه انتشر على ألسنة الطلبة والأساتذة معا، مع أن الجامعة كراية للمعرفة كان يجب أن تكون دقيقة في بنيتها المفامية والدلالية، وفيما يلي قراءة نحدد من خلالها الحدود بين الغش وبين ما يشار إليه خطء باسم "الغش في الامتحانت"، ونوضح الخلط الذي يتخبطه في بعض الناس حين يعتقدون أن الغش المدرسي غشا حقيقيا، وينظرون إلى رفاقهم الغشاشين في الفصول نظرة دونية تقليلية احتقارية بغير حق ولا سلطان مبين، ولننطلق من هذا السؤال كأرضية صالحة للنقاش: ما هو الغش ؟
الغش هو  تزييف الأشياء أو المعاني وإظهاررها على غير حقيقتها  للتغرير بالآخر وحمله على القيام بحركات أو سكانت فيها نفع غير مستحق لنا أوضرر غير مستحق له أو هما معا. 
فمن هذا التعريف نلاحظ أن الغشاش أثناء ممارسته للغش لا بد أن يمر بمرحلتين متتابعتين يمكن اعتبارهما ركني الغش:
ـ أولا: نية الغش، وهي الوعي الكامل والتام بأن هذا الفعل أو ذاك فيه نفع غير مستحق لنا أوضرر غير مستحق للآخر أو هما معا مع استمرار حالة الرغبة والاستعداد الداخلي للقيام به.
ـ ثانيا: فعل الغش: وهي الإقدام علم ما تم تبيت النية إليه من فعل ، سواء حققنا الغاية منه أم لم نحققها.
ونية الغش شرط أساسي فإذا انتفت لا يكون الغش، أما الاقدام على فعل الغش فقد ينتفي ومع ذلك يكون الغش، فمن أظمر نية الغش ولم يقدم على فعل الغش يكون غشاشا بنسبة، وتتفاوت النسب حسب الأسباب التي منعت من القدوم على الفعل، فمن منعه الضمير مثلا يكون أقرب إلى الإخلاق أي عشاش بنسبة قليلة، ولكن من منعته عدم القدرة على اِتيان الفعل لسبب خارجي كالخوف من العقاب يكون أقرب إلى نقيض الأخلاق أي أقرب إلى رتبة غشاش كامل.
فلننظر الأن إلى الغش المدرسي هل يدخل تحت تعريف الغش وهل يستوفي شرطيه أو على الأقل شرط واحد منهما ؟؟
عندما يقوم الأستاذ بعد توزيع نسخ الامتحان غاديا رائحا بين الصفوف يتحين الفرص، بل عندما يصرح علنا: ويل للذي أضبطه في حالة تلبس !! ماذا يعني هذا ؟؟  ألا يعني أنه ثبت في علم الأستاذ أن هناك من يغش في فصله؟؟ بلى ؟؟ إن الأستاذ كان يعلم قبليا أن هناك من سيحاول أن يغالفله، بل هو متأكد، وبالتالي فعندما يحاول الطالب القيام بالعملية أو يقوم بها فإنه لا يفعل شيء مما ليس في علم الأستاذ، وإنما يفعل تماما ما يتوقعه الأستاذ وقد حشد كل قواه لمنعه ومنه فالطالب لا يزيف ولا يغرر !! ولكن قد يقال إن الطالب وإن فعل ما كان يتوقع منه إلا أنه جنى نفعا لا يستحقه وألحق ضررا بزملائه الطلبة وهو صرر لا يستحقونه ولكن الحققة عكس ذلك تماما فالتعليم العالي على الخصوص يعلم الطالب كيف يخرج نفسه من مواضع إشكلاتية استعدادا للإشكلات المهنية التي ستواجهه حتما بعد الجامعة، ولكي يكون مستعدا يجب أن يوضع في مآزق تجريبية هي ما نسميه امتحانات وكل وضعية مأزقية لها تحديات أو متغيرات معينة، وفي الامتحان عموما يواجه الممتحن ثلاثة متغيرات هي الأسئلة والوقت والأستاذ، فإن استطاع أن يكتب أجوبة صحيحة في الوقت المسموح دون أي ملاحظة سلبية من الأستاذ فقد اجتاز فقد استحق النجاح في امتحانه، بغض لأن القانون واضح ولا يعترف إلا بالوثائق والوقائع، فالنقظة التي يأخدها الطالب يأخدها على أجوبته المدونة على ورقته لا على الكيفية التي دون بها اللهم إذا ضبطه الأستاذ في حالة القيام بما هو محضور وسجل ملاحظة على ورقته.
وإن كان القانون يمنع ما يسمى الغش المدرسي إلا أنه لا يعاقب الغشاشين الذين غشوا بمهارة مكنتهم من الإفلات من المراقبة ولايقرر أية عقوبة في حقهم، وبالتالي فالطالب الذي تفوق على المراقبة هو طالب قانوني ماذام القانون لم يشر إلى هذا النوع من الغش ولم يقرر في حقه أية عقوبة، وبما أن القانون وضعي لا يحظى بأية قدسية وبما أن الكثيرين غير متفقين أو غير مقتنعين به فلهم كل الحق أن يحاولوا التغلب عليه  شرط أن لا يضبطوا في حالة تلبس.
وعليه يبدو أن أن الغش المدرسي لا يدخل تحت تعريف الغش ولا يستوفي ولا ركن واحد من ركنيه، إذ تنتفي فيه النية كما ينتفي فيه الفعل وإنما سمي غشا لتشابه الحالة التي يكون عليها الغشاش والطالب الذي يمارس ما يسمى "الغش المدرسي" ظاهريا فقط أما الحقيقة ففعل الطالب إبداعي منتج وقانوني يجب أن يعترف به بل يجب أن يشجع لأن في تحايل الطالب  على الأستاذ الذي يعتبر نفسه أحذق إنسان في الكون شحد لفكره وتنمية لقدراته الإبدايعة والتفاعلية وإغناء للحياة الطلابية عامة.

lundi 30 décembre 2013

فن الكتابة وعفن التكلف


الكتابة فن له حرمة يجب أن تصان ومنزلة رفيعة يجب أن تبقى رفيعة وتزداد رفعة، وليس كل شيئ يستحق أن يكتب، وكل "لا شيء"  يجب أن لا يكتب، وليس من شك أنه قليل هؤلاء الجديرين بأخد القلم والكتابة، وهم هؤلاء الذين يقدرون مسؤولية التي يتحملونها عن طيب خاطر حين يعتزمون الخط والتعبير وهي مسؤولية لا ينهض بها إلا الأفذاذ من الأدباء وأرباب الأذواق الذين يكتبون حين يكتبون ما يفيد ويمتع ويهدب الذوق وينقحه، وكثير من الناس حين يأخد بقلم يجني على نفسه وعلى الناس وعلى هذا الفن النبيل، وهم هؤلاء المتكلفون الذين يريديون أن يصيروا كتابا وأدباء مع أنهم خلقوا ليكونوا حدادين أو نجارين أو عتالين أو ليشتغلوا أي شغل من هذه الأشغال التي تحتاج القوة الجسدية بدل القوة الروحية، وهذه الفئة خطيرة جدا على نفسها وعلى الناس وعلى اللغة، فهي تتحدى طبيعتها وتصارع مشيئة الله فيها فتعيش حياتها تتعذب وتبذل ذلك الجهد العنيف المضني لتصل إلى القمة ولكنها لا تموت إلا عند القدم، ولو كانت صخرت القليل من ذلك الجهد في المجال الذي خلقت له لبرعت ونجحت ولكنها عنيدة تريد أن تضيئ وهي رماد، وهي في عنادها هذا تأدي الناس وتذمر أذواقهم وتنفرهم  من القرءة وتشين لهم جمال الأدب، وجنايتها الكبرى ليست على نفسها وعلى الناس، إنما على اللغة، وخاصة إذا كانت العربية،  فالعربية لغة جميلة أنيقة يجب أن تحضى بما يليق بها من الرفعة والتقدير والاحترام، والذي يباشرها يجب أو يولها ما تستحق من القوة والرسانة والحنية والرمنسية والدلع في نفس الوقت، ولكن هؤلاء الناس  لا يرعون فيها دين لا دمة، يمرغونها في عفن حياتهم اليومي دون أن يهتز لهم طرف، ونحن الذين ابتلانا الله بحب هذه اللغة كلما رأينا أحرفها الجميلة إلا وانهلنا عليها  أصبحنا نضرب أخماسا في أسداس قبل نندفع ونندفع حين نندفع بحدر شديد خشية أن نقع على عبارة تعلق في حلقومنا كقطعة الزجاج ولا ننسى ألمها إلا بالموت ... فاتقوا الله فينا يا هؤلاء

lundi 18 novembre 2013

غائبة الشمسين

في دنياه شمسان اثنان، شمس تطلع بالنهار وتأفل باليل، وشمس أخرى أفلت ولن تطلع إلى أبد الآبدين وهو يتفجغ عليها ويتمنى لو يستطيع أن يفتديها بالشمس التي تطلع وتأفل اتباعا، تسمى خولة وهي أخت سيف الدولة علي الحمداني، وخولة هذه مهرة عربية أصيلة مكتملة الحسن والبهاء عاشت في قصر أخيها سيف الدولة في حلب وتربت تربية الأميرات وتأدبت بآدابهن، فتمازجت فيها المرأة العربية البدوية الصحراوية الأصيلة بالأميرة الرقيقة الرهيفة التي اعتادت حياة الزهور والشرفات، وتجانست الطبيعتان في صبية جميلة بقلب بدوي يهوى ويحفظ الشعر ويطرب لسماعه ويقوله إذا مسه الولع ويعشق إذا عشق حتى الموت، سمعت شعر المتنبي في مجالس أخيها فأحبته وجعلت تتعقب قصائده وأبياته وتحفظها وتترنم بها إذا خلت لنفسها أو إذا جالست صويحباتها، ولم نزل المتنبي ظيفا على قصر أخيها وأقام عنده كان لها أن تراه وتسمع منه وتناظره في الشعر والأدب، فشغفها وشغفته حبا ، وتغزل بها في الكثير من قصائده وشكى وتألم من حبها، ولكن لم يكن في الإمكان أن يقبل سيف الدولة علي الحمداني بشاعر نزل قصره زوجا لأخته وهي على ما هي عليه من أصالة الناسب ورفعة المنزلة وكمال المحاسن...

وكان ما كان بين المتنبي وسيف الدولة من جفاء، فرحل المتنبي عنه لينزل على كافور الإخشيدي حاكم مصر أنذاك، وكثرت الأقاويل والافتراءات في خولة فأبعدها أخوها عن قصره في حلب إلى ميافارقين حيت ولدت، فلبثت أياما بها ثم ماتت كمدا على رحيل المتنبي عن حلب إلى مصر ورحيلها عنها إلى ميافارقين، فكتب المتنبي قصيدة طويلة يبث حزنه ويصف فجيعته بحبيبته خولة في صور شعرية تجعل القلب يحزن لخولة وإن كان بينه وبينها ما يرابي العشرة قرون من االزمن، فتأملوا معي هذه الصورة الفريدة:

فَلَيْتَ طالِعَــةَ الشّمْسَـــينِ غَائِـــبَــةٌ ^^ وَلَيتَ غائِبَةَ الشّمْسَـــينِ لم تَـغِبِ

وَلَيْتَ عَينَ التي آبَ النّهارُ بــــــهَا ^^ فِداء عَينِ التي زَالَتْ وَلـــــم تَؤبِ

يتمنى المتنبي لو أن طالعة الشمسين وهي شمس النهار غابت وتركت الدنيا تسبح في الظلام الدامس وأن شمسه الغبائبة خولة لم تغب عن دنياه وأنها ظلت تشرق في عينيه إلى لا نهاية، ويصرح أنه لو كان في مقدوره أن يفتدي شمسه خولة لافتداها بالشمس التي يؤوب بها النهار ويذهب بها الليل رغم حاجة الدنيا بكل ما فيها إلى هذه الشمس .... ولكن هيهات أن تلتفت المنايا للأمني